د. عبد الحميد الأنصاري
ثماني سنوات من تفجير الذات!
فكرة استخدام الطائرات التجارية كصواريخ لضرب الأبراج والأهداف المدنية، فكرة لم تخطر على بال أحد من البشر منذ أن خلق الله آدم وحتى 11 سبتمبر 2001، لكن هذه الفكرة الشيطانية التي لم يكفر فيها أي إنسان، خطرت وترسخت بذهن مهندس شاب مسلم ، اسمه "خالد الشيخ محمد"! هذا الشاب باكستاني -بلوشي- الأصل، مولود في الكويت لأبوين من بلوشستان، انضم في الكويت إلى جماعة "الإخوان المسلمين" في سن السادسة عشرة وعاد إلى باكستان ثم ذهب إلى الولايات المتحدة عام 1983 وتخرج من جامعة نورث كارولينا بشهادة في الهندسة الميكانيكية. وتشير إحدى الوثائق التي أفرجت عنها وكالة المخابرات الأميركية إلى أن "خبرة خالد الشيخ محمد السلبية والمحدودة في الولايات المتحدة، والتي تضمنت السجن لفترة قصيرة لعدم تسديد بعض الفواتير، أسهمت في حثه على المضي في طريقه لكي يكون إرهابياً". وقد قال إن تعامله مع الأميركيين، على الرغم من قلِّته، "أكد وجهة نظره بأن الولايات المتحدة، دولة فاسدة وعنصرية". وقد اعترف خالد شيخ محمد تفصيلياً -بعد أن وقع في قبضة المخابرات الأميركية في مارس 2003، بأن فكرة استخدام الطائرات التجارية كصواريخ لضرب الولايات المتحدة فكرته، وحاول إقناع أسامة بن لادن بها، فرفضها في البداية لكنه وافق عليها بعد ذلك في عام 1999 وأمر بالإعداد لها، إلى أن تم تنفيذها من قبل الانتحاريين الـ19 صبيحة يوم 11 سبتمبر 2001 عبر خطف 4 طائرات تجارية بركابها وطاقمها، ونجحوا في الاصطدام ببرجي مركز التجارية العالمي بنويورك، بينما تم إسقاط الطائرتين الأخريين بمن فيهما. وبلغ عدد ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر حوالي 3 آلاف شخص كلهم مدنيون أبرياء ومن كل الجنسيات والأديان.
هذا الزلزال الكارثي هو الذي جعل الشعب الأميركي يصطف حول قيادته ويطالبها بالثأر والانتقام وهو ما جعل الإدارة الأميركية تتبنى سياسة "الحرب الاستباقية" والتي تعني غزو العدو في عقر داره وإجهاض مخططاته قبل أن يتمكن من نقل المعركة إلى أميركا، وكان من نتائج هذا الزلزال الذي أصاب أميركا أن انطلق المارد الأميركي فدمّر أوكار "القاعدة" في أفغانستان وشرّد زعيمها وساق من تم القبض عليهم من عناصرها مصفدين إلى معتقل "غوانتانامو" الرهيب، كما سحق دولة "طالبان" وأطاح بنظامها القمعي. ولم تكتف أميركا بذلك بل عمدت إلى غزو العراق والإطاحة بنظام صدام وتخليص الشعب العراقي من استبداده الذي امتد 3 عقود. كما كان من تداعيات إدماء "القاعدة" لأنف أميركا وضربها في رموز شموخها أن ضغطت على دول المنطقة بغية إدخال إصلاحات سياسية واجتماعية على أوضاعها، ظناً أن ما حصل لها من عدوان إرهابي هو نتاج بيئات قمعية محرومة من قيم الديمقراطية وإفراز لنظم تعليمية غرست في نفوس الذين قاموا بالعدوان، الكراهية والعنف والعداء.
لقد تغير العالم كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر وحصلت تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية شملت معظم دول العالم، وكان نصيب منطقتنا من هذه التغيرات كبيراً، لعل من أبرزها، سعي دول المنطقة لمراجعة نظمها التعليمية، وضبط العمل الخيري، وترشيد المنابر والخطاب الديني، وحصول المرأة على حقوقها السياسية ووصولها إلى المناصب القيادية، وصدور تشريعات متعلقة بالأسرة أكثر توازناً واعتدالا، كما حصلت إصلاحات سياسية في معظم دول المنطقة. ولا زالت تأثيرات 11 سبتمبر وبعد 8 سنوات مستمرة رغم مجيء الإدارة الجديدة بقيادة رئيس جديد يتبنى خطاباً اعتذارياً، يريد به تغيير صورة أميركا الخارجية عبر كسب القلوب والمشاعر، ولذلك يتجنب الرئيس أوباما استخدام عبارة سلفه "الحرب ضد الإرهاب". ويبدو أن الشعب الأميركي بعد 8 سنوات على تلك الاعتداءات الكارثية، قد سئم الحرب على الإرهاب وبخاصة بعد حربين راح فيهما أكثر من 5 آلاف جندي أميركي، وهو اليوم منشغل بتداعيات الأزمة الاقتصادية وبمشروع الرعاية الصحية. كما أن فشل "القاعدة" في توجيه ضربة أخرى لأميركا ساهم في اعتقاد الأميركيين أنهم بمأمن من شرور الإرهابيين وأنصارهم.
الآن، ليس هدف المقال، بيان التفاعلات والنتائج التي ترتبت على أحداث 11 سبتمبر، والتي لم تترك جانباً من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا وأثرت فيها، ولكن الهدف وبعد 8 سنوات على تلك الأحداث أن نفكر ملياً في عمق تلك الأحداث وفي دوافعها وملابساتها، ولكن قبل ذلك علينا أن نطرح تساؤلات حائرة لا أجد لها أجوبة مقنعة:
لقد تغير العالم كثيراً بعد أحداث 11 سبتمبر وحصلت تطورات سياسية واقتصادية واجتماعية شملت معظم دول العالم، وكان نصيب منطقتنا من هذه التغيرات كبيراً، لعل من أبرزها، سعي دول المنطقة لمراجعة نظمها التعليمية، وضبط العمل الخيري، وترشيد المنابر والخطاب الديني، وحصول المرأة على حقوقها السياسية ووصولها إلى المناصب القيادية، وصدور تشريعات متعلقة بالأسرة أكثر توازناً واعتدالا، كما حصلت إصلاحات سياسية في معظم دول المنطقة. ولا زالت تأثيرات 11 سبتمبر وبعد 8 سنوات مستمرة رغم مجيء الإدارة الجديدة بقيادة رئيس جديد يتبنى خطاباً اعتذارياً، يريد به تغيير صورة أميركا الخارجية عبر كسب القلوب والمشاعر، ولذلك يتجنب الرئيس أوباما استخدام عبارة سلفه "الحرب ضد الإرهاب". ويبدو أن الشعب الأميركي بعد 8 سنوات على تلك الاعتداءات الكارثية، قد سئم الحرب على الإرهاب وبخاصة بعد حربين راح فيهما أكثر من 5 آلاف جندي أميركي، وهو اليوم منشغل بتداعيات الأزمة الاقتصادية وبمشروع الرعاية الصحية. كما أن فشل "القاعدة" في توجيه ضربة أخرى لأميركا ساهم في اعتقاد الأميركيين أنهم بمأمن من شرور الإرهابيين وأنصارهم.
الآن، ليس هدف المقال، بيان التفاعلات والنتائج التي ترتبت على أحداث 11 سبتمبر، والتي لم تترك جانباً من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية إلا وأثرت فيها، ولكن الهدف وبعد 8 سنوات على تلك الأحداث أن نفكر ملياً في عمق تلك الأحداث وفي دوافعها وملابساتها، ولكن قبل ذلك علينا أن نطرح تساؤلات حائرة لا أجد لها أجوبة مقنعة:
كيف أمكن لشاب مسلم، درس في الولايات المتحدة وفي تخصص علمي دقيق، أن يستثمر طاقاته في الهدم والتدمير وإزهاق الأنفس البريئة؟!
لماذا لم يفكر هذا المهندس المسلم في استثمار تخصصه فيما ينفع المسلمين ويخدم الإسلام وينهض بوطنه؟ كيف تحولت المشاعر السلبية تجاه أميركا إلى التفكير في قتل المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما تفعله دولتهم؟ كيف اقتنع الانتحاريون الـ19 بالتضحية بأنفسهم وبالآخرين الذين لا جريرة لهم، وكل ذلك باسم الجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام؟ أي شيطان استحوذ على نفسية وعقلية خالد شيخ محمد ورتب له تلك الفكرة الجهنمية؟ ومن أي مصدر شرعي موثوق استمدّ هؤلاء زعمهم بأن سفك دماء الأبرياء بالجملة هو جهاد في سبيل الله؟ كيف تجرؤوا على دين الإسلام، وكتابه العظيم لم يحرم شيئاً كتحريمه النفس المعصومة؟ إن كتابنا جعل قتل نفس واحدة قتلا للناس جميعاً، فما لهؤلاء لا يفقهون؟
نعود لنكرر تساؤلا أساسياً: لماذا لم يوجه هؤلاء الشباب -وقد تخصصوا فيما يحتاجه المسلمون- جهودهم إلى ما يرفع من شأن دينهم ووطنهم ويسعد بني جلدتهم ويجعلهم موضع فخرهم؟ لماذا لا يفجرون طاقاتهم في ميادين العلم والمعرفة والإبداع والتنمية بدلا من تفجير أنفسهم في النساء والأطفال الأبرياء؟ ما هذا الوباء الذي حلّ ببعض شباب المسلمين فزيَّن لهم سوء أعمالهم؟ وإلى متى يستمر هذا الوباء المدمر يفتك بعقولهم ونفوسهم؟
نعود لنكرر تساؤلا أساسياً: لماذا لم يوجه هؤلاء الشباب -وقد تخصصوا فيما يحتاجه المسلمون- جهودهم إلى ما يرفع من شأن دينهم ووطنهم ويسعد بني جلدتهم ويجعلهم موضع فخرهم؟ لماذا لا يفجرون طاقاتهم في ميادين العلم والمعرفة والإبداع والتنمية بدلا من تفجير أنفسهم في النساء والأطفال الأبرياء؟ ما هذا الوباء الذي حلّ ببعض شباب المسلمين فزيَّن لهم سوء أعمالهم؟ وإلى متى يستمر هذا الوباء المدمر يفتك بعقولهم ونفوسهم؟
منذ أن فجر شبابنا أنفسهم في أميركا قبل 8 سنوات وحتى اليوم، تصاعد المد التفجيري وشمل معظم الدول الإسلامية وامتد من المغرب إلى أندونيسيا، وبعد أن كان يستهدف الخارج أصبح يستهدف الداخل حيث التجمعات البشرية الكثيفة، في المساجد والمطاعم والأسواق والفنادق والمزارات... هذه التساؤلات تشكل تحديات كبيرة لمناهجنا ولمنابرنا الدينية والإعلامية والثقافية ولمؤسساتنا التربوية، علينا استنفار الجهود وبخاصة من علماء الدين نحو حلول تساعد على تحصين الشباب وتقوية مناعتهم ضد أمراض التطرف، تحببهم في الحياة وفي الإنسان، نريد خطاباً دينياً ذا بعد إنساني، يعلي قيمة الحياة ويحبب الإنسان في الإنسان ويضع نهاية لثقافة تدمير الذات.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
المصدر : جريد الإتحاد الإماراتية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق