إستخدام الموانئ البلوشية في صراع قوى المنطقة في جذب التجارة الإقليمية
د . عبد الله المدني
في الوقت الذي تتصاعد فيه أعمال القتل والتدمير والإرهاب في كل من أفغانستان وباكستان ما بين القوات النظامية المدعومة من الغرب من جهة والجماعات الميليشاوية المتشددة المدعومة من تنظيمي "القاعدة" و"طالبان" وقوى أصولية أخرى في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من جهة أخرى، هناك من لا يزال يراهن على إمكانية تحقيق الاستقرار والسلام في هذه البؤرة المتوترة من العالم منذ نحو ثلاثة عقود. ولعل في مقدمة هؤلاء الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي حينما جاء كرئيس انتقالي لأفغانستان في عام 2001، كان يحمل معه فكرة تحويل بلاده المغلقة إلى جسر للتجارة الإقليمية. وكان مضمون الفكرة ببساطة هو تحويل جبال "الهندوكوش" من منطقة نزاع إلى حوض للتبادل التجاري الحر ما بين دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، خصوصاً وأن هذه الدول في مجملها تحتضن ثلث سكان العالم.
في الوقت الذي تتصاعد فيه أعمال القتل والتدمير والإرهاب في كل من أفغانستان وباكستان ما بين القوات النظامية المدعومة من الغرب من جهة والجماعات الميليشاوية المتشددة المدعومة من تنظيمي "القاعدة" و"طالبان" وقوى أصولية أخرى في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى من جهة أخرى، هناك من لا يزال يراهن على إمكانية تحقيق الاستقرار والسلام في هذه البؤرة المتوترة من العالم منذ نحو ثلاثة عقود. ولعل في مقدمة هؤلاء الرئيس الأفغاني حامد كرزاي الذي حينما جاء كرئيس انتقالي لأفغانستان في عام 2001، كان يحمل معه فكرة تحويل بلاده المغلقة إلى جسر للتجارة الإقليمية. وكان مضمون الفكرة ببساطة هو تحويل جبال "الهندوكوش" من منطقة نزاع إلى حوض للتبادل التجاري الحر ما بين دول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وجنوب آسيا، خصوصاً وأن هذه الدول في مجملها تحتضن ثلث سكان العالم.
لقد وجد كرزاي ورفاقه والكثيرون من الأفغان المتنورين أنه بالإمكان تحقيق السلام من خلال التنمية، وأن بلدهم الفقير يمكن أن يصبح غنياً بطريقة أسرع مما لو اعتمد على المساعدات الخارجية. غير أنهم سرعان ما اكتشفوا أن تحويل الفكرة من مجرد حلم إلى واقع أمر صعب بسبب قوى التخلف والإرهاب، التي كانت ولا تزال تستهدف حركة التجارة وقوافلها ومعابرها بالرصاص والمتفجرات والألغام. وهذا تحديداً ما اشتكى منه كرزاي وأوضحه لمضيفيه الباكستانيين في 13 مايو المنصرم، ولاحقاً في القمة التي جمعته مع نظيريه الإيراني والباكستاني في طهران. حيث اشتكى من عنف متصاعد يستهدف مشاريع التنمية الاقتصادية في صورة حرق الآليات ومنشآت البناء وقتل العاملين فيها ونهب ما تطاله الأيدي من بضائع وأدوات. وبطبيعة الحال، لم يحصر الرئيس الأفغاني مشاكل التنمية في بلاده في هذا الأمر وحده، لكنه اعتبر العنف و الإرهاب تحدياً أكبر وربما أثقل وطأة من عوامل مثل ضعف البنية التحتية وانعدام الكفاءات المطلوبة.
" أفغانستان لم تعد مشكلة وإنما صارت فرصة يمكن استغلالها في التبادل التجاري والربط الكهربائي والاستثمار في شبكات الاتصالات".
ويبدو اليوم أن ما تخوف منه كرزاي ورفاقه قد تحول إلى مأزق كبير في ظل اضطرار مئات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال إلى هجر منازلهم ومدنهم في المناطق الحدودية ما بين أفغانستان وباكستان بسبب استمرار الأعمال الحربية والقتالية. وهذا المشهد الذي يذكرنا بما كان يجري زمن الاحتلال السوفييتي لأفغانستان مع اختلاف اتجاه الهجرة ونمط العلاقة ما بين كابول وإسلام آباد – لاشك أنه يفرض تكاليف إضافية للتنمية، كي لا نقول باستحالة القيام بالتنمية المطلوبة الحائلة دون المنازعات والحروب.
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الحليفة لها قد طورت وزادت مساعداتها خلال الأعوام الثمانية الماضية لأفغانستان كوسيلة من وسائل القضاء على التشدد والتطرف والأعمال الإرهابية. وصحيح أن الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة باراك أوباما وضعت لنفسها استراتيجية مختلفة فيما يتعلق بكيفية التعامل مع الشأن الأفغاني الشائك، قوامها مقاومة الحركات المتشددة في باكستان وأفغانستان عبر إرسال المزيد من القوات للقتال على الجبهة الأفغانية، وفي الوقت نفسه عبر زيادة حجم المساعدات المالية ودعم خطط التنمية الاجتماعية. غير أن الهدف النهائي المطلوب– وهو أن تضع دول جنوب آسيا وآسيا الوسطى معا يدها مع المجتمع الدولي والولايات المتحدة وحليفاتها من أجل كسب معركة الرخاء والتنمية المستدامة والسلام المشترك، أمر تظلله الشكوك بسبب عقد موروثة من الماضي أو بسبب خلافات حول الحدود الجغرافية أو بسبب تنافس إقليمي لا معنى له إطلاقاً.
وطبقا لمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون جنوب ووسط آسيا "ريتشارد بوتشير"، فإنه "سيكون أمراً عظيماً لو نجحنا في إفهام دول المنطقة أن أفغانستان لم تعد مشكلة وإنما صارت اليوم فرصة يمكن استغلالها لجهة التبادل التجاري والربط الكهربائي والاستثمار في شبكات الاتصالات". وفي هذا السياق ضرب المسؤول الأميركي مثلا حول الطريق السريع القائم حالياً، والذي يربط ما بين "ألماتي" عاصمة كازاخستان وكراتشي، الميناء التجاري لباكستان على بحر العرب، إذ اعتبره نموذجاً لما يمكن القيام به – بالتعاون مع الأمم المتحدة والدول والمنظمات المانحة - لإعطاء أفغانستان منفذاً بحرياً، يسهل عليها الاتجار مع العالم الخارجي، ويخرج أبناءها من العزلة الجغرافية.
وجملة القول إنه لئن كان الوضع سوداوياً ويسير من سيئ إلى أسوأ في ظل تصاعد العنف وتزايد الانقسامات في أفغانستان، فإنه في المقابل حدثت بعض التطورات الايجابية الطفيفة المبشرة بالخير. أحد الأمثلة على هذه التطورات هو أنه في عام 2003 أقدمت طهران على إبرام عدة اتفاقيات مع كابول محرضة إياها على التغلب على وضعها الجغرافي كدولة مغلقة – غير مطلة على البحار- باستخدام ميناء "تشابهار" الإيراني المطل على الخليج، وذلك كبديل لميناء كراتشي الباكستاني الذي ظل تقليديا يخدم تجارة أفغانستان. وبسبب المنافسة والعداء ما بين الهند وباكستان، رأينا نيودلهي تضع كل ثقلها خلف الفكرة الإيرانية. فهي لم تكتف مثلا ببناء ميناء "تشابهار" وإنما قامت أيضاً ببناء شبكة الطرق والأنفاق الضرورية لربط أفغانستان به. وكرد على الخطوة الهندية، قامت إسلام آباد، ومن ورائها حليفتها الصينية، بتطوير ميناء "جوادر" البلوشي المطل على بحر العرب، ليكون حوضاً للتبادل التجاري الحر، ومركزاً لخدمة النمو التجاري والصناعي الهائل في الصين، ولا سيما في الأجزاء الحدودية المتاخمة لباكستان.
ومن جهة ثانية، فإنه نظراً لأهمية الموانئ الباكستانية فيما يتعلق بالجهد الحربي والقتالي لمنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان، استأثرت هذه الموانئ باهتمام الأميركيين الذين لم يدخروا وسعاً من أجل تطوير منشآتها وتحصينها ضد الأعمال التخريبية.
ومن الأمثلة الأخرى على التطورات الايجابية آنفة الذكر، ظهور نوع من الثقة والإحساس بضرورة الشراكة ما بين كابل وإسلام آباد لأول مرة منذ عقود من العلاقات البينية المتوترة أو المتوجسة. وهذا الذي ظهرت تجلياته في مذكرة تفاهم وقعت في السادس من مايو المنصرم حول انتقال البضائع والأشخاص، أنهى نصف قرن من الجدل والمراوحة وأرسى عهداً جديداً بحسب وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي شهدت الحدث وأشادت به كخطوة ضرورية نحو السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق