احداث "المنطقة المحرومة" ذات الأغلبية البلوشية السنية تعيد فتح ملف الاقليات القومية والمذهبية
زاهدان المحاذية لأفغانستان وباكستان.. خاصرة ايران الرخوة
هلا صغبيني
شكلت الاحداث الاخيرة في مدينة زاهدان الإيرانية، مادة دسمة تناقلتها وسائل الاعلام ورصدتها الدول الكبرى، باعتبار ان هذه المنطقة تعد واحدة من أكثر المناطق الإيرانية حساسية وأهمية من الناحيتين الامنية والسياسية، وكذلك بسبب موقعها الجغرافي ـ وهي منطقة إقليم بلوشستان الواقعة شرق وجنوب شرق إيران وعلى الحدود مع أفغانستان وباكستان بالإضافة الى محاذاتها ساحل بحر عُمان ـ وبسبب تركيبتها العرقية والمذهبية.المدينة شهدت منذ ايام انفجاراً مروعاً في أحد المساجد التابعة للشيعة اعقبه حريق متعمد ومواجهات طائفية. وعلى خلفية استهداف المسجد، أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم جماعة "جند الله" مسؤوليتها عن الانفجار. ويأتي الانفجار قبيل اسابيع من الانتخابات الرئاسية في ايران المقررة في 12 حزيران (يونيو). علما انه سبق هذه الاحداث التي شهدتها المدينة عملية مسلحة استهدفت حافلة كانت تقل منتسبي حرس الثورة الاسلامية، وأودت بحياة 11 منهم. واعتبرت هذه المنطقة على الدوام خاصرة إيران الرخوة وذلك لتعرضها لهزات سياسية وخروقات أمنية كبيرة بسبب موقعها الجغرافي والإهمال المتعمد لأوضاعها الإنمائية وبناها التحتية نتيجة سياسة التمييز العنصري والاضطهاد الطائفي الممارس ضد سكانها من الأنظمة الإيرانية المتعاقبة.فاقليم بلوشستان ذات الغالبية البلوشية السنية يعد أفقر المناطق الإيرانية على الرغم مما يمتلكه من ثروات وموقع تجاري مهم. وعلى الرغم من أن الاحداث الاخيرة في زاهدان، لا تنظر اليها السلطات الايرانية على أنها عمل طائفي، الا أن مثل هذه التفجيرات التي تتكرر كثيراً في زاهدان، والمناطق السنية الأخرى من إقليم سيستان ـ بلوشستان الحدودي مع باكستان والفقير جداً، تطرح أيضاً تساؤلات عن وفاء السلطات في طهران، بوعودها تجاه ما تسميه هي المناطق المحرومة.وتعد إيران من الدول ذات التعددية العرقية، ويعتبر الفرس والأذريون والجيلاك والأكراد والعرب والبلوش والتركمان من أهم هذه العرقيات التي تشكل الفسيفساء العرقي في إيران.فحسب المصادر الرسمية، يشكل الفرس 51 في المئة من السكان البالغ عددهم قرابة 70 مليون نسمة، في حين يشكل الأذريون 24 في المئة والجيلاك المازندارنيون 8 في المئة والأكراد 7 في المئة والعرب 3 في المئة واللور والبلوش والتركمان 2 في المئة لكل منهم، وبقية العرقيات 1 في المئة من السكان.وتقع مدينة زاهدان في جنوب شرق ايران، قرب الحدود مع باكستان وافغانستان، وتعلو 1352 مترا عن سطح البحر، وتبعد نحو 1605 كيلومترا عن العاصمة الايرانية طهران. وتعتبر مدينة زاهدان الايرانية عاصمة محافظة سيستان وبلوشستان، ويقدر عدد سكانها بنحو 580 الف نسمة. وينتمي السواد الاعظم من سكان المدينة الى الاثنية البلوش وينطقون اللغة البلوشية، فيما تضم المدينة ايضا اقليات من البشتون، والسيستانيين والبراهويين. وتعتبر المدينة احد اجزاء منطقة سيستان التاريخية التي تقع اليوم على حدود جنوب شرق ايران وجنوب غرب افغانستان. وكان إقليم بلوشستان يمثل منطقة واحدة خلال القرون الماضية ولكن تم تقسيمه بعد الغزو والاحتلال البريطاني لجنوب ايران، واصبح مقسما بين إيران وباكستان وأفغانستان لاهداف استعمارية.وقد أدى التقسيم إلى نشوء بلوشستان إيرانية وبلوشستان باكستانية وبلوشتان أفغانية. ويتميز السكان البلوش في المناطق الثلاث بوحدة الانتماء العرقي إضافة إلى اللغة البلوشية والانتماء إلى الإسلام السني.ونشطت خلال الأعوام الماضية الحركات الانفصالية البلوشية في المناطق الثلاثة التي تطالب بفصل بلوشستان عن إيران وأفغانستان وباكستان لإقامة دولة بلوشية واحدة.وخلال فترة ما قبل الحرب الأفغانية، كانت المناطق البلوشية الثلاث تشهد بعض المناوشات بين السكان الشيعة والسنة. وكان إقليم بلوشستان الباكستاني هو الأكثر عرضة للاضطرابات لأن الحركات الانفصالية الموجودة في بلوشستان إيران كانت تجد الملاذ في بلوشستان باكستان التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي.وقد ساءت أوضاع المنطقة أكثر مما كانت عليه في عهد الشاه، وتعرضت لممارسات عنصرية وطائفية دفعت بعلماء الدين ومثقفي الشعب البلوشي الى توجيه النداءات الى قيادة النظام وعلى رأسها مرشد الثورة طالبة التدخل لوقف الاضطهاد الممارس ضد البلوش وأهل السنة. غير ان تلك النداءات لم تلق أذاناً صاغية. وهو ما ادى الى تشكيل حركات وتنظيمات سياسية مال بعضها لممارسة العمل المسلح كوسيلة لوقف عنف النظام وتحقيق المطالب المشروعة للشعب البلوشي.وكان من بين هذه التنظيمات حركة "جندالله" التي تأست عام 2002 على يد احد طلبة العلوم الدينية الشباب وهو عبدالمالك ريغي. وأصبحت هذه الحركة بفضل الدعم والتأييد الذي حظيت به من الشعب البلوشي من أقوى وابرز الحركات العاملة في الإقليم حيث استطاعت توجيه ضربات موجعة لقوات الحكومة الايرانية سواء من خلال العمليات العسكرية التي نفذتها ضد القوات العسكرية والأمنية العاملة في المنطقة أو من خلال فعلها السياسي والإعلامي.زاهدان.. او سارق المياهتاريخيا، عرفت مدينة زاهدان بإسم "دوز أب"، الذي يشتق بدوره من التسمية الفارسية "دوزد اب" ومعناها "سارق المياه"، وذلك قبل وصول رضا شاه بهلوي الى الحكم عام 1923. وأطلقت هذه التسمية نسبة الى منطقة ترابية كانت تختزن بسرعة المياه التي تهطل عليها، سواء كانت مياه أمطار ام مياه الري.واستبدلت وزارة الثقافة تسمية المنطقة الى زاهدان خلال عهد رضا شاه بهلوي في ثلاثينات القرن المنصرم، والذي شهد مئات التغييرات في أسماء المناطق. ولعل اهم هذه التغييرات هو اسم البلاد نفسه الذي لطالما عرفه الغرب باسم بلاد فارس حتى العام 1935.ويشاع ان اسم "زاهدان" الحالي، ومعناه "الحكماء" او "الاتقياء" في الفارسية، أطلق على المدينة عقب زيارة رضا الشاه اليها. وبحسب الرواية، عندما وصل الشاه الى المدينة، لاحظ وجود عدد كبير من مجموعات السيخ بين سكان المدينة. ولكن ظهورهم باللباس التقليدي جعل الشاه يخطئ الظن بالسكان فاعتبرهم أناسا أتقياء متدينين. يشار الى ان مجموعات السيخ لم تكن كثيرة، ولكنها احتلت مكانة مهمة في التجارة الامر الذي كرس ظهورها في ارجاء المدينة.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق