أسئلة كثيرة تطرحها العملية ضد الحرس الثوري
هل بلوشستان على طاولة المفاوضات الأميركية ــــ الإيرانية؟
كتبت ياسمين كرم:اتهام ايران للحكومة الباكستانية بالتورط في العملية الانتحارية التي نفذها مقاتل من حركة «جند الله» في مدينة بيشين الحدودية والتي اودت بحوالي الخمسين قتيلا، بينهم 6 من كبار قادة الحرس الثوري الإيراني، شبيه الى حد كبير بالاتهام الهندي لإسلام اباد بالتورط في عملية مومباي الارهابية في الهند. والهدف من مثل هذا الاتهام ــــ في الحالتين ــــ دفع الجانب الباكستاني للعمل على ضبط الجماعات التي تعمل على أرضه، سواء في كشمير بالنسبة للهند، أو في بَلوشستان بالنسبة الى إيران، لأنه لا خيار حقيقيا لكل من طهران ونيودلهي غير ذلك من الناحية العملية.إن حال بَلوشستان ليس بعيدا عن حال الأكراد، وقد تقاسمتها ثلاث دول هي باكستان وإيران وأفغانستان في منطقة تمتد لحوالي النصف مليون كيلومتر مربع يسكنها حوالي عشرة ملايين نسمة. وقد ساهم كون هذه المناطق صحراوية أو جبلية ناشفة في زيادة تخلفها وسيطرة الدول المجاورة عليها. أعيد تقاسم كل قسم من أقسام بلوشستان الداخلية في كل بلد من البلدان الثلاثة باتجاه تقليص مساحتها والاعتماد على الأقليات الساكنة في جنباتها الى درجة أن مدينة كويتا (عاصمة بلوشستان الباكستانية) باتت تسيطر عليها أقلية الباشتون، واستطرادا أخذت تسيطر عليها حركة طالبان الباكستانية والأفغانية معها نظرا الى وجود مخيمات كبيرة للاجئين الافغان هناك، معظمهم من الباشتون أيضا وعددهم حوالي المليون نسمة، الى درجة يمكن القول إن معظم التنظيمات الأفغانية متواجدة في هذه المنطقة، وستكون بالتأكيد مسرح المواجهة المقبل بعد أن ينتهي الجيش الباكستاني من «تنظيف» منطقة وزيرستان (شمال غربي البلاد) قبل أن ينظر الى جنوبها الشرقي.مائة عام من الثوراثخاض البلوش عدة ثورات، خصوصا في باكستان وإيران خلال العقود الماضية، وتحديدا منذ معاهدة «دوراند لاين» عام 1894 أو خط دوراندا، الذي قضى على مملكة بلوشستان ووزعها بين ثلاث دول محيطة. وقد قامت ثورة ضد شاه إيران رضا بهلوي عام 1928 وضد الإحتلال الباكستاني الذي بدأ مع توجه القوات البنجابية لإجتياحها بعد إعلان دولة باكستان في 27/3/1948. وقد عقدت بريطانيا معاهدة حدوية مع إيران عام 1895 اسمها معاهدة جوكت لاين لترسيم الحدود. كما دعمت موسكو والهند أكثر من حركة تحرير بلوشية من الستينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي بقيادة بلاش مري وبرا مداخ بوكتي قبل اغتيالهما.وقد استطاعت باكستان امتصاص الكثير من التوتر في المنطقة عندما عينت حكما ذاتيا لهذا الاقليم مؤلفا من شخصيات بلوشية، أبرزهم السردار مكسي، مما ساعدها على قطع دابر التدخل الهندي في المنطقة، خصوصا أن نيودلهي كانت ترد على التدخل الباكستاني في كشمير بمد أصابعها في بلوشستان. وقد تعمدت الحكومة الباكستانية تحييد المنطقة قدر الإمكان لتخفيف مشاكلها، خصوصا بعد ثورتين ضد ذو الفقار علي بوتو في السبعينات، وضد الجنرال برويز مشرف نهاية الثمانينات.تنظيمات قياديةلذلك برزت خمسة تنظيمات رئيسية في قيادة الحركة البلوشية على ضفتي الحدود، وهي: الجبهة البلوشستانية المتحدة، ثم الحركة الوطنية البلوشستانية، وحزب الشعب البلوشستاني وحركة الفرقان، قبل أن تظهر حركة «جند الله» بقيادة عبد الملك ريكي، التي تعتمد منهج الكفاح المسلح. وقد نفذت عمليات كبيرة عنيفة ضد الحرس الثوري في منطقة سيستان وزاهدان. ويتردد الآن أن عملية بيشين «هي رد على إعدام شقيق ريكي منذ عدة أسابيع في ايران». ونفذت الجبهة محاولة اغتيال للرئيس الإيراني أحمدي نجاد في ديسمبر 2008 في كمين لقافلة حكومية في شهر مارس الماضي قتل فيه 30 مسؤولا إيرانيا على طريق ماسوكي الواصل بين زاهدان وعاصمة الاقليم البلوشي في إيران و«ترابل» المدينة الثانية في الاقليم. كما أسفر الهجوم عن مقتل حاكم مدينة زاهدان، كما شنت مجموعات مجهولة سلسلة عمليات جعلت طرق بلوشستان الايرانية غير آمنة، خصوصا في الليل وامتدت هذه العمليات الى محافظتي كرمان وخراسان المجاورتين، مما اضطر الحرس الثوري لتسيير حملة ضخمة ضد المنطقة للإعادة الأمن اليها، خصوصا ابتداء من شهر مايو الماضي، وشارك فيها 20 ألف جندي وشرطي. ترافق ذلك مع حملة في صحف طهران ضد الاستخبارات الباكستانية، متهمة إياها بإيواء حركة جند الله، بينما تتهم باكستان إيران بإيواء مجموعات أخرى تستخدم بلوش شيعة داخل الأراضي الباكستانية أيضا. هذا مع العلم أن الاغلبية الساحقة من البلوش هم من السنة ينتشرون على ما يقارب الـ 180 ألف كيلومتر متربع داخل الأراضي الإيرانية، أي حوالي 10% من مساحتها، فيما لا تعرف الأرقام الحقيقية لعدد البلوش الإيرانيين، لأن التقديرات بشأنهم تتراوح بين 2.5 مليون و7 ملايين نسمة.تفكيك إيران؟!يطرح هذا الأمر سلسلة تساؤلات حول ما إذا كانت إيران تتعرض لمحاولات تفكيك بطيئة من خلال دعم تحركات البلوش في الجنوب والأكراد في الشمال، والعرب في الشرق، وأكثرية البلوش والأكراد من السنة الذين يصل عددهم داخل إيران الى حوالي عشرين مليون نسمة.وعندما تصل الأمور الى مستوى العمليات الإنتحارية، فهذا يعني إسقاط الحلول السياسية حتى إشعار آخر، خصوصا انه لا توجد سياسة مشتركة ضد البلوش شبيهة بتلك المعتمدة ضد الأكراد شمالا.وهناك من يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تدعم مثل هذه العمليات والجماعات لكي ترد على إيران التي تدعم عمليات مماثلة في أفغانستان والعراق ولكي يشكل الأمر رادعا على المدى البعيد. إن بإمكان واشنطن أن تزعزع استقرار إيران كما تحاول الأخيرة المساهمة في زعزعة استقرار الجارين الآخرين، حيث للأميركيين مصالح حيوية وجيوش على الأرض. يبقى السؤال الأخير: هل كل ما نشاهده جزء من التفاوض حول الملف النووي الإيراني لعقد صفقة شاملة بين طهران وواشنطن؟ مع الإشارة إلى أن فشل هذه المفاوضات يعني أن اللااستقرار سيشمل دول المنطقة كلها، أي باكستان وإيران وأفغانستان والعراق.تلك هي المشكلة التي تلوح في الآفق من وراء كل هذه التطورات الخطيرة.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق