أصداء البيان الهندي-الباكستاني على بلوشستان
التقى رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينج بنظيره الباكستاني يوسف رضا جيلاني لمدة تزيد على الثلاث ساعات، وذلك على هامش جلسات قمة عدم الانحياز، التي عقدت في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية قبل أسبوعين. وقد ضمنت محصلة ذلك اللقاء في بيان هندي- باكستاني مشترك صدر مؤخراً. وكان عدد من المراقبين والمحللين فضلاً عن المسؤولين في كلتا الدولتين قد رأى في ذلك اللقاء خطوة كبيرة للأمام باتجاه فتح صفحة جديدة لتعزيز العلاقات الهندية- الباكستانية، إلا إنه يتعرض الآن لانتقادات الأحزاب المعارضة في الهند.
يذكر أن البيان المشترك كان الهدف منه توصيل رسالة إلى إسلام آباد، مفادها أنه وفيما لو اعترفت صراحة بوجود بنية تحتية للنشاط الإرهابي الذي يستهدف الهند من داخل الأراضي الباكستانية، فإنه سوف تكون لنيودلهي استجابة إيجابية ربما تفتح الطريق أمام تحسين العلاقات مع جارتها إسلام آباد. وبالفعل توقعت إسلام آباد، التي اعترفت بمشاركة عدد من مواطنيها المتطرفين في الهجمات الإرهابية التي شهدتها مدينة مومباي الهندية -خاصة اعترافها بمشاركة مقاتلين من جماعة عسكر طيبة فيها- أن يواجه ذلك الاعتراف بقدر من الشعور بالثقة والاطمئنان إلى حسن نوايا إسلام آباد.
غير أن تضمين جملتين فحسب للبيان المشترك المذكور آنفاً، أثار موجة انتقادات عنيفة داخل الهند، لا سيما في أوساط المخططين الاستراتيجيين وبعض أقسام الصحافة.
ليس ممكناً التقدم خطوة واحدة نحو تحسين العلاقات الهندية-الباكستانية دون حصول حكومة نيودلهي على دعم المعارضة وثقتها في هذا الاتجاه.
تتعلق إحدى هاتين الجملتين بعدم ربط الخطوات العملية التي يجب أن تقوم بها باكستان إزاء مكافحة الإرهاب داخل حدودها، بالحوار الثنائي الذي يتم بينها والهند. وجاءت صياغة هذه الجملة كما يلي في البيان: \"يدرك رئيسا وزراء كلتا الدولتين أن الحوار وحده هو الذي يفتح الطريق للتقدم نحو الأمام. وعليه فليس واجباً ربط الإرهاب بعملية التفاوض والحوار بين الجانبين، ولا بأي شروط مسبقة من هذا النوع\". ومن جانبه أعلن رئيس الوزراء الهندي استعداده لمناقشة كافة القضايا مع إسلام آباد، بما فيها جميع القضايا العالقة.
هذا ما نظرت إليه أحزاب المعارضة الهندية على أنه استسلام لضغوط إسلام آباد ودفعها المستمر باتجاه استئناف الحوار الثنائي معها. يذكر أن الدولتين الجارتين كانتا تناقشان كافة القضايا العالقة بينهما، بما فيها مسألة إقليم كشمير المتنازع عليه لعدة عقود مضت.
أما الجملة الثانية المثيرة للانتقادات بين ما تضمنته صيغة البيان المشترك، فتتعلق بالإشارة إلى بلوشستان ، حيث تتهم إسلام آباد نيودلهي بإثارة الفتن والقلاقل المتعمدة. هكذا وردت هذه الإشارة في البيان المشترك: \"ذكر رئيس الوزراء الباكستاني \"جيلاني\" أن لدى بلاده معلومات عن اضطرابات وتهديدات أمنية في بلوشستان وغيرها من المناطق الأخرى\".
ومما لا ريب فيه أن هذه الإشارة إلى بلوشستان بما يفيد وجود أياد خفية للهند في الاضطرابات التي تشهدها المحافظة وغيرها من المحافظات الأخرى، سوف تكون لها تداعيات أمنية وسياسية على نيودلهي في المدى البعيد. وبالنظر إلى لعبة الأرجوحة الدبلوماسية التي تتبادل الصعود فيها على حساب الدولة الأخرى من وقت إلى آخر، كلتا عاصمتي الدولتين الجارتين، فقد نظرت إسلام آباد إلى هذه الإشارة الأمنية الأخيرة الواردة في محتوى البيان المشترك بينها ونيودلهي، على أنه انتصار دبلوماسي لها، بينما بدأ البعض استغلاله للأغراض الدعائية المعادية للهند.
من ذلك مثلاً صرح رئيس وزارة داخلية إسلام آباد \"رحمن مالك\" عبر لقاء صحفي أجري معه، متهماً نيودلهي بتهريب الأسلحة إلى المتطرفين والإرهابيين في بلوشستان سراً عبر جنوب أفغانستان. مثل هذا التصريح الرسمي وغيره مما طفح في الصحف الباكستانية مؤخراً، هو ما دفع بعض الاستراتيجيين والمحللين في الهند إلى القول إن صياغة البيان المشترك وفرت لإسلام آباد ما يشبه الدليل على صحة الاتهامات التي تثيرها بشأن وجود دور خفي لنيودلهي في ما يجري في محافظة بلوشستان، على رغم أن تلك المزاعم ظلت تنفيها كافة الإدارات الهندية السابقة، بل ينفيها المجتمع الدولي نفسه، ويصفها بأنها مجرد مزاعم مختلقة.
في استجابة منها لاستمرار ضغوط الأحزاب المعارضة والصحافة المحلية اليومية، بدأت حكومة مانموهان سينج بالتراجع عما ورد في الجملة الأولى الخاصة باستئناف الحوار مع إسلام آباد دون ربطه بأي خطوات عملية يتعين عليها اتخاذها إزاء جماعاتها الإرهابية المحلية. في إطار هذا التراجع قالت نيودلهي إن استئناف الحوار سوف يتم ربطه بشرط التقدم الذي تحققه إسلام في مكافحة البنية التحتية للإرهاب داخلها. ونقل عن مسؤولين رسميين قولهم عقب صدور البيان المشترك، إن إسلام آباد لم تفعل ما يكفي لإقناع نيودلهي بجديتها وعزمها على مكافحة الإرهاب، مع العلم أن هذا الأخير يمثل الشرط الرئيسي لاستئناف الحوار. في الوقت نفسه أكد مسؤولون في نيودلهي أن الحوار سوف يستمر مع إسلام آباد، إلا إنه سوف يقتصر على مسألة مكافحة الإرهاب وحدها.
غير أنه ليس هناك ما يمكن فعله إزاء الإشارة الواردة في البيان عن بلوشستان، ما يعني استمرار بقائها في نص البيان، واستمرار إحراجها لنيودلهي. ووفقاً لمنطق الأرجوحة الدبلوماسية، ففي كل مرة تثير فيها الهند مسألة الإرهاب الباكستاني الذي يستهدف أمنها وسلامة مواطنيها ومصالحها القومية، فسوف تواجهها إسلام آباد باتهام الهند بالدعم السري لجماعات التطرف والإرهاب في بلوشستان. وهكذا تستمر لعبة تبادل الاتهام والاتهام المضاد بين عاصمتي الدولتين الجارتين إلى ما لا نهاية!
والواضح أن مسودة البيان المشترك قد تمت صياغتها على نحو يجعلها مفتوحة أمام اختلاف تأويلات كلا الطرفين. ولكن مما لا ريب فيه أن انفتاح الصياغة هذا، بمعنى قابليته لحمل وجهتي نظر متناقضتين، يحمل ما يحمل من المخاطر البعيدة المدى لنيودلهي.
ومما زاد من موقف رئيس الوزراء الهندي سوءاً أن حزبه نفسه لم يعلن تأييده المباشر للبيان المشترك الذي أنجزته دبلوماسية زعيمه \"سينج\". فبعد ما يقارب أسبوعاً كاملاً من الصمت وتفادي التعليق على البيان، قال \"حزب المؤتمر\" الحاكم إن \"سينج\" سوف يلقي أمام البرلمان خطاباً يعرض فيه كل المسائل والمخاوف والتوقعات ذات الصلة بالبيان المشترك الذي وقعه مع نظيره الباكستاني \"جيلاني\". وفي هذا التصريح من جانب \"حزب المؤتمر\" ما يشبه التعبير عن دعم الحزب وتأكيد ثقته بزعيمه، إلا إنه لم يصل بعد إلى مرحلة التعبير عن موافقة الحزب على نص البيان المثير للخلاف والانتقادات في الأوساط الهندية المشار إليها آنفاً. يجدر بالذكر أن إضافة الجملتين موضوع النقد والخلاف، قد تمت إضافتهما إلى نص البيان المشترك دون أي استشارة للحزب ولا قادة حكومته، وهو ما يساعد على تعميق الصراعات داخل صفوف الحزب من جهة، وبينه وبين حكومته من جهة أخرى. غير أن الحزب سوف يدعم رئيس وزراء حكومته في نهاية الأمر، لا سيما وأن \"سينج\" قد صرح سلفاً واصفاً ما يشاع عن انقسامات داخل صفوف حزب المؤتمر بأنها مجرد افتراءات صحفية لا أكثر.
ويشير خروج نواب أحزاب المعارضة من جلسة البرلمان، إلى مدى أهمية القبول المحلي الهندي لتلك الخطوة، إن كان للتفاوض بين العاصمتين أن يستمر. على أن حكمة \"سينج\" وإبدائه حرصاً وتمسكاً بأهمية الحوار الثنائي مع باكستان \"إن لم نكن نسعى لخوض حرب معها\" قد قوبلا محلياً بالكثير من الاستحسان رغم الانتقادات الموجهة للجملتين المذكورتين.
ختاماً فإنه ليس ممكناً التقدم خطوة واحدة نحو تحسين العلاقات الهندية-الباكستانية دون حصول حكومة نيودلهي على دعم المعارضة وثقتها في هذه الاتجاه.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
المصدر : صحيفة الإتحادhttp://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=47019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق