باكستان والصين: روابط قوية
د. عبدالله المدني
في الأخبار، أن إسلام آباد - بالتعاون مع بكين - بدأت فعلا في إنتاج الطائرات المقاتلة متعددة الاستخدام من طراز "ثندر جي اف – 17"، وذلك من أجل تعزيز قدرات سلاحها الجوي حينما يدخل أول سرب من هذه المقاتلات الخدمة في نهاية العام الجاري، طبقاً لما أكده رئيس الأركان الجوية الباكستانية الفريق طيار "راو قمر سليمان".
الخبر، حقيقة، لم يفاجئ أحداً، في ظل ما هو معروف عن التعاون العسكري الواسع بين البلدين. هذا التعاون الذي فرضته عوامل عدة على رأسها وجود عدوين مشتركين للبلدين ممثلين في الهند والاتحاد السوفييتي سابقاً، قبل أن تأتي تطورات دولية معينة – مثل قطع الولايات المتحدة مساعداتها العسكرية عن الباكستانيين بسبب تحرشهم بالهند في عام 1965 لتعزز ذلك التعاون وتساعد على توسعه وتنوعه وديمومته.
لم يغير الصينيون مواقفهم من باكستان يوماً ما وظلوا ملتزمين بدعمها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً طوال العقود الخمسة الماضية.
والمعروف في هذا السياق، أن باكستان اعترفت بالصين الشعبية في عام 1950 لتكون بذلك ثالث بلد غير شيوعي، وأول بلد مسلم يقدم على ذلك العمل. وفي 21 مايو من العام التالي، قامت باكستان بقطع علاقاتها مع تايوان وتأسيس علاقات دبلوماسية كاملة مع بكين. ومنذ ذلك التاريخ، تسارعت العلاقات البينية متخذة صوراً عديدة من دون توقف، ولا سيما منذ عام 1962، الذي شهد الحرب الحدودية القصيرة بين القوات الصينية والهندية.
إذ رأى الساسة الباكستانيون أنه طالما صار هناك عداء ما بين بكين ونيودلهي، فعليهم استغلال ذلك وتوظيفه من أجل دعم قدراتهم في مواجهة خصمهم الهندي. وانطلاقاً من مبدأ "أن عدو عدوي هو صديقي"، تم تبادل الزيارات على أعلى المستويات ما بين مسؤولي البلدين، ووقعت اتفاقيات ومعاهدات متنوعة، وقدمت بكين مساعدات اقتصادية لباكستان، بل صارت العلاقات مع بكين تمثل أهم ركن من أركان السياسة الخارجية الباكستانية إلى الدرجة التي لم يتردد معها صناع القرار الباكستانيون في عام 1963 في التنازل عن آلاف الكيلومترات المربعة من أراضي كشمير الباكستانية للصين عند توقيع اتفاقية رسم الحدود المشتركة.
وحينما غزا السوفييت أفغانستان، سارعت بكين كما هو معروف بالوقوف خلف باكستان التي نظرت إلى ذلك التدخل في ساحتها الخلفية بعين الشك والريبة، ورأت فيه مقدمة لإحداث خلل في موازين القوة في شبه القارة الهندية لصالح الهند.
وضمن التعاون الصيني – الباكستاني يحتل التعاون العسكري ركناً أساسياً. حيث دأبت بكين على تزويد إسلام آباد بكل ما تحتاجه من الأسلحة الحديثة. ليس هذا فقط وإنما امتد التعاون ليشمل إجراء المناورات العسكرية المشتركة، وإقامة مشاريع عسكرية ثنائية لإنتاج الذخائر والأسلحة الخفيفة، ولتصنيع الطائرات المقاتلة والصواريخ الموجهة ،وصولا إلى استثمار الصينيين لملايين الدولارات في تهيئة ميناء "جوادر" البلوشي، المواجه لمضيق هرمز، وبناء المنشآت فوقه، أملا في الحصول على تسهيلات عسكرية دائمة فيه تخدم أغراضهم الاستراتيجية.
وبطبيعة الحال، فإن اشتراك الدولتين في مشاريع حربية مشتركة ساهم في حاجة كل منهما إلى الآخر. وشملت هذه المشاريع: إنتاج الطائرات المقاتلة من طراز "ثندر جي اف – 17"، وطائرات التدريب من نوع "ك- 8" وطائرات الأواكس وصواريخ كروز من طراز "بابر" ودبابات الخالد من طراز "ام بي تي – 2000 "، ودبابات "تي-85"، إضافة إلى مد باكستان بتكنولوجيات الفضاء التي ساعدتها على إرسال أقمار اصطناعية إلى الفضاء الخارجي.
إلى ذلك شمل تعاون الجانبين المجال النووي، حيث تذكر المصادر الغربية أن الصين كانت الدولة الأولى التي شجعت باكستان وزودتها بالمساعدات التقنية ابتداء من منتصف السبعينيات، لكي تطور أسلحة نووية قادرة على ردع الهند، التي كانت قد أجرت تجربتها النووية الأولى في عام 1974. والمعروف في هذا السياق أن البلدين وقعا علنا على اتفاقية تعاون شاملة في المجال النووي في عام 1986، ليتبع ذلك عقد اتفاقيات أخرى ساعدت الصين بموجبها باكستان على تطوير قدراتها النووية للأغراض السلمية. ولعل أهم تلك الاتفاقيات الأخيرة، ما وقع في عامي 1999 و 2008 حول محطتين للطاقة النووية في البنجاب ومنطقة خوشاب على التوالي.
وكنتيجة لما سبق ذكره من علاقات حميمة، لم يكن غريباً أن تشهد مناسبة اليوبيل الذهبي لارتباط البلدين دبلوماسياً في عام 2001 سلسلة من الاحتفالات غير المسبوقة في شكلها ومضمونها ودلالاتها.
غير أن هذه الاحتفالات تزامنت أيضاً مع دعوات من قبل ساسة باكستانيين بارزين موجهة إلى حكومة الرئيس زرداري تطالبه فيها بأن يتبنى سياسة تقوم على اعتبار بكين، وليس واشنطن، هي الحليف الرئيسي. وقد جاء هذا بطبيعة الحال انعكاساً لامتعاض بعض الباكستانيين – ولاسيما جنرالات الجيش – من قيام الحليف الأميركي التقليدي بانتهاك سيادة باكستان أثناء ضرب قواته المرابطة في أفغانستان لمعاقل المتشددين في شمال غرب باكستان.
ولا يخفى أن دعاة هذا المطلب في باكستان في ازدياد، منطلقين من مقولة إن صين اليوم لم تعد كصين الخمسينيات والستينيات، بمعنى أنها تحولت إلى قوة عالمية يمكن الاعتماد عليها في مجالات متعددة، هذا ناهيك عن ادعاء هؤلاء بأن الأميركيين يستخدمون باكستان وقتما تقتضي مصالحهم ذلك، ويتخلون عنها لصالح الهند إذا ما شعروا أن الأخيرة أكثر فائدة لاستراتيجياتهم، بينما لم يغير الصينيون مواقفهم من باكستان يوماً ما وظلوا ملتزمين بدعمها سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً طوال العقود الخمسة الماضية.
غير أنه بجردة حساب، يجد المرء أن ما قدمته الصين طوال العقود الماضية لباكستان من مساعدات اقتصادية، لا يقارن إطلاقاً بما قدمته لها الولايات المتحدة والصناديق الغربية المانحة والدول الشرق أوسطية الغنية الحليفة لواشنطن من مساعدات. وبعبارة أخرى، فإنه إذا كانت بكين قد قدمت السلاح إلى باكستان وبكميات أكبر مما قدمته واشنطن ولا سيما في الفترة ما بين عامي 1966 و 1980 التي وصلت فيها واردات باكستان من السلاح الصيني إلى أكثر من ثلث إجمالي وارداتها الحربية – فإن واشنطن والدول الحليفة لها والمنظمات المانحة هي التي تولت إنقاذ الاقتصاد الباكستاني المتهالك.
أما القول بأن الصين ظلت خلال 5 عقود تقف موقفاً صامداً إلى جانب باكستان وضد الهند، فليس كله صحيحاً. فمنذ التسعينيات وتحت ضغط مصالحها الاقتصادية، بدأت بكين في طرق أبواب الهند لنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، ولا سيما في الشقين التجاري والعلمي. ورغبة منها في ألا يكون رد الهنود سلباً، قام الصينيون بإحداث بعض التغيير في مواقفهم من قضية كشمير، على نحو ما ظهر جلياً أثناء أزمة "كارجيل" في عام 1999، حينما طالبوا حلفاءهم الباكستانيين بالانسحاب من مواقع في الجانب الهندي، وحينما صرحوا بأن حل قضية كشمير يجب أن يكون بالتفاوض الثنائي وليس بالقوة. وقد مثل هذا تراجعاً في الموقف الصيني التقليدي من القضية الكشميرية، والذي كان يدعو دوماً إلى ضرورة تطبيق قرارات الأمم المتحدة أي إجراء استفتاء في الولاية للاختيار ما بين الانضمام إلى باكستان أو الهند.
الأمر الآخر الذي دفع الصينيين في السنوات الأخيرة إلى النفور قليلا من باكستان – وإن حافظوا على أشكال التعاون معهم، وخصوصاً التعاون العسكري الذي اعتبره الصينيون دوماً أفضل طريقة لاحتواء الهنود وطموحاتهم الإقليمية – هو امتعاض بكين مما وصف بعدم تحرك باكستان جدياً ضد مواطنيها ممن يوفرون الملاجئ الآمنة ومعسكرات التدريب للصينيين من مسلمي "الإيجور" الانفصاليين.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق