هل المقاومة الوطنية البلوشية للحصول على الحكم الذاتي ام إستقلال بلوشستان ؟
نشرت صحيفة نيويورك تايم في 22/11/2008م للعالم المعروف في الجيش الأمريكي و كاتب المقالات رالف بيتر ، في موضوع يتعلق بالسياسة الخارجية و الإستراتيجية العسكرية ، و التي أظهرت " خارطة الشرق الأوسط الجديد " تظهر " بلوشستان الحرة " .اضطرب خبراء الجيش الباكستاني و السياسيين بسبب " خارطة الشرق الأوسط الجديد " ،خوفاً من ان تواجه دولتهم المصطنعة مصيراً مثل " يوغوسلافيا " .
المنظر العسكري رالف بيتر صنع خارطة اسماها " الشرق الأوسط الجديد " ، و قد نشر سابقاً في يونيو عام 2006م في مجلة القوات المسلحة ، و جذب الإنتباه بما يتعلق بالسؤال عن حرية بلوشستان . طبقاً لتقرير الديلي تايم إحدى الصحف الرئيسية في باكستان التي نشرت مقالاَ بعنوان " تآمر الولايات المتحدة الأمريكية و الهند و أفغانستان لإقتطاع " بلوشستان الكبرى " عبر التسبب بتفكيك باكستان .رغم ان " خارطة الشرق الأوسط الجديد " التي رسمت من قبل مسؤول في الجيش الأمريكي لم تعتمد رسمياً من قبل البنتاغون ، يقال انها تستعمل لأغراض تدريبية في " كلية الدفاع للناتو " بين كبار الضباط العسكريين .
العديد الخبراء العسكريين الأمريكيين أطلعوا على خريطة بيتر " للشرق الأوسط الجديد " المستندة على الحقائق الجغرافية و التاريخية حول المناطق . و طبقاً للخبير العسكري " بيتر" انها ستوقف تطهير عرقي في المستقبل و حمامات الدم في المنطقة .و ناقش الخبير العسكري بيتر ان الحدود الدولية لا تثبت تماماً ،وان إعادة تنظيم الحدود الخاطئة مرة ثانية سيوفر فهم الحدود الطبيعية للشرق الأوسط و مع هذا سيساعدنا على فهم مدى الصعوبات التي نواجهها و التي سنبقى نواجهها .نحن نتعامل مع تشوهات هائلة من صنع الانسان والتي لن تتوقف في تنمية الكراهية و العنف حتى تصحح .
حدود بلوشستان " الطبيعية " قسمت من دون موافقة شعبها وضده من قبل القوى الإقليمية و العالمية لمصالحهم الماضية في المنطقة .و في الواقع إن تاريخ بلوشستان الأصلي لم يسمح له ابداً ان يدرس و ينشر من قبل أنظمة الإحتلال في المعاهد التعليمية الإيرانية و الباكستانية .وجدت " بلوشستان الكبرى "( و التي ضمت حينها جميع أرجاء بلوشستان الشرقية و الغربية ) كإتحاد قبلي قائم على مفهوم الوحدة و المشتركات التي تجمع القبلية البلوشية من عام 1756م والى 1795 ، بإسم " خانات بلوشستان " طبقاً للعلماء البلوش و مؤلف كتاب " قضية بلوشستان الكبرى " الدكتور عناية الله بلوج .في عهد الإستعمار البريطاني عام 1929م ، ظهر مير يوسف عزيز خان مكَسي و الذي كان بالنسبة لشعبه مثل نيسلون مانديلا ، الذي ناضل ضد الإحتلال البريطاني في بلوشستان ، و مؤسس حركة الوطنيين البلوش ، و لاحقاً كان زعيم " أنجمان ءِ – إتحاد ءِ – بلوشستان " و " حزب بلوشستان المتحد " .
و كان الهدف الرئيسي لهذه الحركات و الأحزاب و رؤيته و حلمه لأمته البلوشية هو توحيد بلوشستان . و هذه الرؤية لـ " بلوشستان الحرة " ما تزال حية بين قادة البلوش مع دعم كامل من الجماهير البلوشية .و لسوء الحظ نيلسون مانديلا البلوش المستقبلي ، المرحوم مير يوسف عزيز خان مكَسي توفته المنية بعمر 28 سنة في زلزال كويتا المرعب عام 1935م ، عاصمة بلوشستان الشرقية حالياً .و يقدر البعض ان عدد ضحايا الزلزال بلغ تقريباً 35,000 في هذه الكارثة الطبيعية ، و أصبحت المدينة خراباً و تحولت إلى منطقة منكوبة .وجدت مملكة بلوشستان ذات السيادة قبل 27/3/1948م ، حيث قام الجيش الباكستاني بسلاح بريطاني بغزو بلوشستان بالقوة العسكرية وضمت بلوشستان إلى ما يدعى بـ باكستان .
و لهذا السبب يقلق الجيش و السياسيين الباكستانيين مع خبراء المحللين في الجيش الأمريكي حول مستقبل التغيرات السياسية الواعية في المنطقة .منذ إحتلال بلوشستان وضمها للنظام البرلماني الباكستاني بقيت مسألة " الحكم الذاتي " لبلوشستان غير محلولة نظراً للنظام البرلماني الباكستاني الغير فعال .و ما عدا ذلك حاول قادة الشعب البلوشي و جربوا جميع الوسائل الديموقراطية و السلمية ، ولكن كل هذه الجهود ذهبت هباء بلاقيمة من دون أي نتيحة إيجابية .إن " الحكم الذاتي " قضية رئيسية في بلوشستان ، نظراً للمصادر الطبيعية الغنية في بلوشستان ، و كمثال على هذا نرى عوائد الدخل من الغاز الطبيعي المستنزف منذ عام 1953م ، ما يزال ينتظر الشعب البلوشي عوائد الدخل الذي تجنيه الحكومة الباكستانية من مصادره الطبيعيه .
و عندما لا تكون هناك إشارة للمشاركة في الثروات ، يبقى سؤال الحكم الذاتي بعيد في الأفق ، و كان هذا حال بلوشستان .تبقى المشاريع الرئيسية مثل ميناء كـَوادر و التي قد بنيت بمساعدة الصين ، موضوع نقاش سياسي ساخن بين قادة الشعب البلوشي و النظام المعادي الباكستاني .وذهب مستقبل مشروع خط أنابيب الغاز من إيران – باكستان – الهند ( و الذي يعبر الأراضي البلوشية ) من دون حتى إستشارة القيادة البلوشية بين الأطراف الثلاثة .التنقيب في ريكو و سانداك اثنين من المشاريع الرئيسية في بلوشستان و التي قد سلمت للشركات الأجنبية . و كلاهما للتنقب عن الذهب و الفضة و النحاس ، ولكن المالك الحقيقي لهذه الأرض محروم و منتزعه منه الفوائد في عوائد الدخل و التوظيف .و كانت نتيجة معارضة قادة الشعب بدعم كامل من الجماهير البلوشية لمثل هذه السياسات المعادية للبلوش ، ان قامت الحكومة المركزية بعملية عسكرية أخرى ضد الشعب الذي أنهكه الفقر و الجوع و المرض .بدء الجيش الباكستاني إجتياحه و خامس عملياته العسكرية في بلوشستان منذ مارس 2005م و حتى اليوم ، و أثناء هذه العمليات العسكرية الوحشية ، اغتيل قادة الشعب البلوشي . و أجبر 240,000 شخص من قبائل البكـَتي و الماري البلوشية ان يصبحوا لاجئين ، و تم إعتقال المئات من الناشطين السياسيين البلوش و الإختطاف الذي ما زال يجري للطلاب و إختفائهم .
أدرك نيلسون مانديلا القائد و المكافح للحرية ان أنظمة التفرقة العنصرية لجنوب افريقيا لا تكترث ولا تعطي إهتمام للوسائل السلمية في كفاحهم السياسي . كتب مذكراته الشهيرة " رحلة طويلة للحرية " قال مانديلا : " مراراً و تكراراً قمنا بإستعمال كل الأسلحة السلمية في ترسانة خطاباتنا ، الإزدواجية ، التهديد ، التظاهرات ، الإضرابات ، الإنعزال ، الدخول للسجن طوعاً ، كل ذلك الذي لم نلقى منه نفعاً كان يقابل يداً من حديد .المكافح من أجل الحرية يتعلم بالطريقة الأقسى لأن الذي يُعرف طبيعة الكفاح هو الذي يضطهده ، وغالباً ما يجد المضطهد نفسه مجبراً ان يستعمل الطرق و الوسائل التي يستعملها الذي يضطهده . "يواجه الشعب البلوشي اليوم نظام مماثل لا يعرف طريقاً للحكم سوى بضرب الشعب البلوشي بقبضة من حديد . و لهذا يؤمن العديد من قادة الشعب البلوشي ان هكذا معتدي لم يترك خياراً آخر سوى ان نواجهه بمنطق القوة .
تقول رئيسة لجنة حقوق الإنسان في باكستان أسماء جهانكـَير : ( ليس فقط من يعادي الحكومة بعض رؤساء القبائل البلوشية . ان هنالك حركة متجذرة للوطنيين البلوش .إن هنالك فئة ينالها الوعي يومياً تنضم إليهم ضد الحكومة .)تاريخياً الحركات الوطنية البلوشية لا تعتبر نفسها أحزاب فدرالية ضمن الدولة بسبب ان " الإقليمية " الفدرالية " تشجع سكان المنطقة على المطالبة بتغير طبيعة العلاقات السياسية ، الإقتصادية ، و الثقافية بين الإقليم و القوى المركزية ضمن دولتهم الأكبر الضامة لهم .و قد لخص ذلك بشكل واضح العالم السياسي روبرت جاكسون . طبقاً لتحليلاته ان الفدرالية و الوطنية طريقان مختلفان لا يمكن ان نكيفهم و نوحدهم . نظراً بمفهومه عن الوطنية " انها أمة تتشارك الإحساس بالولاء و الترابط نفسي " كفاحهم " قائم على اللغة المشتركة ، التاريخ ، الثقافة " . و لذلك جادل ان " الوطنية في إحساسها الحديث تعرف بالعمل الجماعي لجماعة يربطها الضمير و الوعي السياسي أو أمة تسعى إلى السيادة ( سيادة نفسها ) " .
إن على الوطنيين البلوش ان يكونوا واضحين في طريقهم و مطالبهم و هدفهم على المدى البعيد ، و يلزمهم ان يحققوا حريتهم و إستقلالهم ككل ، كما عرفه جاكسون في تنظيره السياسي .و لذلك الحركات الوطنية البلوشية تهدف إلى تحقيق تغييرات أساسية لا تتلائم مع سيادة الدولة التي ينتمون إليها .و طبقاً لروبرت جاكسون انه من المخيف ان نفترض ان مطالب القيادة البلوشية لن تلقى القبول و الإعتراف ضمن كيان باكستان الفدرالي . و ربما تم خداع و خيانة القيادة البلوشية خلال الستين سنة الأخيرة بشكل ساذج بإسم المفاوضات و المساومات .مؤخراً تم إطلاق سراح القائد البلوشي المخضرم مير عبدالنبي بنكـَول زهي ، بعد 9 سنوات في السجن ، و قال : ( إن الحكم الذاتي للإقليم ليس " الصداع " الذي يؤرق الأمة البلوشية بعد الآن و حكام باكستان يعلمون تماماً ما يريده الشعب البلوشي ، " بلوشستان حرة " .
و صعد خطابه ليحذر " هؤلاء " المعتدين " الذين جعلوا بلوشستان جحيماً لنا ، إن الشعب البلوشي لن يجعل أرض بلوشستان جنة لهم ) .و سواء كانت تحليلات المنظر المعروف للجيش الأمريكي حول مستقبل منطقة الشرق الأوسط أصبحت حقيقية أم لا ،الحقيقة هي ان الحركة الوطنية البلوشية كانت في حيز الوجود منذ العام 1929م و سوف تستمر حتى تسترجع سيادة و إستقلال بلوشستان .إن الإدارة العسكرية و السياسية الباكستانية و الإيرانية تعيان تماماً أرضية الواقع لبلوشستان ، و ربما بباسطة يخفون القضية تحت البساط .مؤخراً قال رئيس الحزب الجمهوري البلوشي : ( إن في لسان الطفل البلوشي البالغ أربع سنوات و حتى البالغ من العمر ثمانية و أربعين سنة من الرجال و النساء يبقى شعار " حرية بلوشستان " . وفي النهاية حرية بلوشستان سيكون قدر الأمة البلوشية ) .في الديموقراطية الحقيقية تحكم الأغلبية ، الشعب البلوشي ككل ( وحدة واحدة ) يعلنون عن هدفهم بصوت عالي و واضح للحكم الذاتي و مطالبتهم ببلوشستان حرة و مستقلة .
بعد سنوات من التنافس و التجارب و الخبرة الناتجة عن الأخطاء في البحث عن حصة حكم ذاتي أكبر ، يطالب شعب بلوشستان بسيادته و إستقلاله بعد المعاناة و الحكم العسكري من أنظمة الإحتلال .المطالبة الأولى لم تجتمع ـ السؤال عن الحكم الذاتي سحب بعيداً ، ومع مساندة أكبر من قادة البلوش ، شعب بلوشستان رفعوا مطالبهم إلى مستوى أعلى بكثير ، و خريطة رالف بيتر لخصت الحاجة و قدمت حلاً لقضية بلوشستان الا وهو الإستقلال .
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق