شطط إيراني وحكمة سعودية
علي البلوي
يشير عبد الله محمد عبد الله - مركز بلوشستان للدراسات – «أن جند الله يعملون على شد أطراف إيران من ناحية باكستان « على طهران أن تُواجه عدّة جبهات وبشكل مُزدوج. عليها أن تُواجه جغرافيا ممتدّة في بلدَيْن اثنين (باكستان/ أفغانستان) وعليها أن تُواجه أفكارا ومقاتلين, ثم حدود دول تُشاطرها ذات الأخطار. وهي جميعها حالات مُعقّدة تورّطت فيها قوى إقليمية ودولية
نعتقد أن الدبلوماسية هي الحل دائما وأن المملكة هي التي نادت بهذه السياسة في التعامل مع الملف النووي الإيراني, من باب الحكمة والعقلانية السياسية السعودية التي لا مجال فيها للانجرار وراء الصخب السياسي, أو المغامرات غير المحسوبة, فتاريخ المملكة يؤكد أنها كانت دائما تغلب الحوار على القتال, والتنمية على العسكرة, والتعاون على الخلاف, والوضوح على الازدواجية, لكن إلى متى ستبقى الدبلوماسية هي الحل؟ عندما تشهد الدول وتمتلك وثائق وأدلة على التدخل في شؤونها الداخلية, وهل إيران بمنأى عن التدخل, فمن طرق الباب يفرض علينا الجواب!!
وإذا كان الجواب بحسب الأمير خالد بن سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام للشؤون العسكرية «إن تكتيكات الحروب متغيرة ومبادئ السيادة ثابتة», فكذلك فان تكتيكات السياسة متغيرة, لكن مبادئ السيادة ثابته, وهذا ما يدفعنا للتساؤل عما بعد من عوامل وأسباب وأدوات التدخل الإيراني في الأمن القومي العربي؟
فإيران تستثمر وتوظف حزب الله في لبنان والأحزاب الشيعية في العراق وتدعي حمايتها للحوثيين في اليمن, وتمتد ولايتها لكافة الشيعة في العالم وفقا لولاية الفقيه, لكن ألا يسمح ويمنح هذا التدخل الدول الإقليمية إمكانية للتدخل في الأمن الإيراني بسهولة ونجاح أفضل من أي مكان آخر في العالم, بسبب التعدد القومي والإثني الإيراني وتطلعاته الاستقلالية, وتكويناته السياسية المعارضة.
هناك معارضات إيرانية داخلية في إطار الدولة وتحت عباءة رجال الدين, وهناك القوميون والإصلاحيون والليبراليون, وهناك معارضات سياسية شاملة, تهدف إلى تغيير النظام السياسي, كمنظمة مجاهدي خلق , وهناك منظمات لها تطلعات قومية كالأحزاب العربية المطالبة باستقلال عربستان, وكذلك الأحزاب والقوى الكردية, وأيضا البلوش والذين تعبر عنهم حركة المقاومة الشعبية «جند الله», وهي منظمة تطالب باستقلال بلوشستان (جنوب شرقي إيران) التي تم احتلالها وفقا لتعبيرهم السياسي عام 1928 وقتل ملكها على يد رضا بهلوي وهي حركة أسست في عام 2002 ولديها نواة عسكرية متمرسة ويعتقد البعض خطأ علاقتها بأمريكا وبتنظيم القاعدة الذي يرتبط بطهران بعلاقات تحالف عقب انهيار نظام طالبان, وهذا الاعتقاد ناجم عن دعاية إيرانية مضادة تهدف إلى إظهار علاقة جند الله بالولايات المتحدة وأهدافها نحو إيران.
على الرغم من دفاع منظمة جند الله عن البلوش في إيران إلا أنه أيضا يعبر عن المطالب الحقوقية للسنة في إيران ويسعون إلى اعتبارهم حزبا سياسيا معترفا به في إطار التنوع القومي الإيراني, وأيضا يمثل تعبيرا عن ديمقراطية حقيقية وليست مجرد ديمقراطية نظرية مقتصرة على طائفة محددة ويطالبون بتوزيع عادل للثروة والامتيازات التنموية التي هم محرومون منها, إضافة إلى منحهم حرية بناء المساجد حيث يتهم جند الله إيران باضطهاد السنة وقتل علمائهم وإغلاق مدارسهم وهدم مساجدهم.
زعيم جماعة جند الله عبد المالك ريغي الذي حكمت إيران على شقيقه عبد الحميد ريغي بالإعدام أعلن عن شروط واضحة لوقف العمليات العسكرية في إقليم سيستان وبلوشستان في بيان له في(15-11-2009) تتثمل هذه الشروط في إزالة قواعد الحرس الثوري والقواعد العسكرية من الإقليم وإطلاق السجناء والمعتقلين السياسيين وإقامة نظام فيدرالي في الإقليم.
ويبرر جند الله ممارستهم العنف بأنه وسيلة مشروعة للدفاع عن حقوق البلوش والسنة في إيران, وأنه طريقة للفت النظر إلى المعاناة الاقتصادية والتمييز العنصري الذي يمارس على الشعب البلوشي .. ففي وقت سابق تمكن جند الله من قتل 45 شخصا, منهم 15 من قيادات الحرس الثوري الإيراني حيث عين محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني, العميد عبد الله عراقي نائبا لقائد القوات البرية للحرس الثوري بدلا من نور علي شوشتري الذي قتل في هذا الهجوم, حيث عرف عن عراقي دوره الكبير في قمع احتجاجات الإصلاحيين على نتائج الانتخابات الرئاسية.
يشير عبد الله محمد عبد الله - مركز بلوشستان للدراسات – «أن جند الله يعملون على شد أطراف إيران من ناحية باكستان « على طهران أن تُواجه عدّة جبهات وبشكل مُزدوج. عليها أن تُواجه جغرافيا ممتدّة في بلدَيْن اثنين (باكستان/ أفغانستان) وعليها أن تُواجه أفكارا ومقاتلين, ثم حدود دول تُشاطرها ذات الأخطار. وهي جميعها حالات مُعقّدة تورّطت فيها قوى إقليمية ودولية».
من الناحية الجيوبوليتيكية توجه إيران دائرة حراكها ونفوذها وتفاعلها السياسي نحو منطقة الخليج والشرق الأوسط لاعتبارات سياسية, كون الشرق الأوسط مهم من ناحية استراتيجية للعالم وبخاصة الولايات المتحدة, ثانيا كون الخليج يعتبر مصدر الطاقة الرئيس لهذه الدول ومحط اهتمامها الاستراتيجي والمؤثر في استقرارها السياسي والاقتصادي, وبالتالي فإن العبث الأمني أو الاقتراب منه يعني احتكاكا مباشرا مع الأمن القومي لأمريكا والدول الغربية والآسيوية أيضا, وثالثا: أن فيه أهم قضية عالمية فاعلة ومؤثرة في السياسة الدولية, ورابعا: فيه إسرائيل التي هي كوجود على خلاف مع العالم الإسلامي كاملا, وبالتالي فإن إيران تجد أن الشرق الأوسط يعد مجالا مناسبا ليمنح إيران دورا سياسيا عالميا, ويمنحها إمكانية عقد الصفقات مع الغرب على حساب المنطقة من خلال الاحتكاك بالمصالح التي تشكلها المنطقة للغرب عبر الأدوات والأوراق الإيرانية في المنطقة.
هذا الإدراك السياسي بالطبع تقابله مدركات وتعاملات سياسية غربية مع القوى الإيرانية المعارضة الداخلية والخارجية وأيضا في التعامل السياسي مع البيئة الإقليمية لإيران, بهدف تنفيذ سياسة الحصار السياسي والاقتصادي, كوسائل ضاغطة على إيران, ولهذا تعمل طهران جاهدة على تأمين أوراق للاستخدام السياسي كالتعاون مع حزب الله والحوثيين وحماس والأحزاب الشيعية في العراق وفي الدعم المالي والتوظيف السياسي وعمليات التشييع بهدف التأثير في القرار السياسي العربي وبخاصة في سورية مثلا ومصر وبعض دول المغرب العربي.
اللافت للانتباه في هذا الموضوع أن إيران تتدخل صراحة في الشؤون الداخلية لدول عربية عدة وتهدف إلى أحداث تغيير في البيئة الداخلية شكلا ومضمونا تحت أسماء مختلفة كالعداء لأمريكا والغرب وتحت بند الثوريات والممانعة والمقاومة السياسية والإعلامية والتنظيمية, وعندما تطلب الحكومات العربية من الحكومة الإيرانية إيقاف مثل هذه التدخلات يتم تحوير السياسة الإيرانية إلى سياسات من نوع آخر, لكن الهدف باق, فقد اشتكت اليمن من التدخل الإيراني وشكا العراقيون وكذلك الأردن في وقت من الأوقات وكذلك مصر ودول مغاربية عدة.
والمؤلم أن يتم اطلاع طهران من قبل عواصم عربية على إدانة فاضحة لها تؤكد التدخل الرسمي وغير الرسمي في الشؤون الداخلية لهذه الدول, فقد حمل وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي وثائق رسمية وعملات إيرانية, وسلاح إيراني, واتصالات بين شخصيات إيرانية والحوثيين من قبل الخارجية اليمنية, لكن إيران لم تكف عن التدخل بل أعلنت وجاهرت وطالبت بعدم التدخل في الشؤون اليمنية وكأنها في منأى عن ذلك.
مصادر استخبارية بريطانية أعلنت أخيرا مغادرة بعض الخبراء العسكريين التابعين للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله صعدة باتجاه الأراضي الإريترية, حيث تعمد طهران إلى إفراغ السفن الإيرانية عديدا من شحنات الأسلحة والتمويل والتموين الذي يجري تزويد الحوثيين به عبر هذه الدول, حيث كشفت القوات السعودية وجود قطع سلاح متطورة يمتلكها الحوثيون من مصادر إيرانية, خاصة أن المعلومات تشير إلى أسر بعض من يتحدث الفارسية من بين المتسللين.
هذا الهروب العكسي لقوات الحرس الثوري الإيراني ولمدربي حزب الله, وإعلان قيادة الحرس الثوري الإيراني إجراء تدريبات عسكرية تشمل باب المندب يؤكد أن المعركة مع الحوثيين اقتربت من نقطة الحسم, حيث أكدت مصادر يمنية استسلام بعض قياداتهم وفرار زعمائهم إلى الخارج.
وكشفت المصادر الاستخبارية البريطانية عن مقتل ما بين 30 إلى 50 خبيرا إيرانيا ولبنانيا في القصف الجوي المشترك اليمني – السعودي وأن بعضهم حاول التسلل قبل بدء الحج بأسبوعين بهدف تعكير صفو الحجيج والتأثير في الخطط الأمنية السعودية, وكانت المفاجأة الاستعداد الكبير والمفاجئ والكفاءة المذهلة للقوات السعودية وحسمها عمليات التسلل خلال فترة وجيزة واستهداف المناطق المجاورة وتحريمها على المتسللين ووأد طموحاتهم وأحلامهم ومصادرتها, إضافة إلى وجود قرار سياسي على أعلى المستويات بالتعامل الحاسم والحازم مع من يتجرأ على السيادة السعودية.
اللافت للانتباه أيضا أن الحرس الثوري وحزب الله على علاقة مع القراصنة في الصومال وهذا ما تؤكده معلومات يمنية من «أن قوارب سودانية وأريترية وصومالية صغيرة, تولت نقل الهاربين الإيرانيين واللبنانيين إلى السودان وأريتريا, قبل أن يعود بعضهم بالفعل إلى طهران وبيروت, حاملين معهم جثث قتلاهم وجرحاهم, الذين سقطوا خلال معارك الأسابيع الثلاثة الماضية, التي كانت الأشد شراسة منذ دخول السعودية إلى المعركة».
التصريحات التي صدرت عن قائد البحرية الإيرانية من أن طهران قادرة على ضبط أعمال القرصنة في خليج عدن, يثير شكوكا كثيرة حول أهداف إيران الإقليمية ويؤكد دعمها ومساندتها الحوثيين والقراصنة وتدخلها في شؤون دول القرن الإفريقي أيضا, فقد أكدت دارسة للمخابرات الأمريكية (تقرير بثته «العربية» الثلاثاء 1-12-2009) كشفت فيه النقاب عن أن إيران أعادت هيكلة قوتها البحرية لوجستيا وتسليحيا لمنح الحرس الثوري الإيراني المسؤولية الكاملة عن عمليات في الخليج في حال وقوع صراع.
هذه الأنباء تؤكد تورط إيران في تسليح المتمردين الحوثيين وهو السبب في توسعة نشاط البحرية الإيرانية إلى أبعد من منطقة الخليج ليشمل بحر العرب وخليج عدن والقرن الإفريقي, وكشفت المخابرات البحرية الأمريكية أيضا في تقرير حديث لها من «إيران تطمح لأن تمتد أذرعها البحرية لتشمل المياه الإقليمية», وهذا يتطابق ويتناغم وتصريحات محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني 29/8/2009 من أن قواته تكثف وجودها في خليج عدن لضرورات دفاعية.
إذا أمام التدخل الأمني والسياسي الإيراني في الشأن الداخلي العربي وبهدف زعزعة أمن واستقرار هذه الدول, ألا يحق لهذه الدول التفكير في آليات مشابهة للتدخل في الشأن الإيراني؟ من باب العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم, أو على الأقل التحالف في إطار سياسي دولي وإقليمي لتقليم الأظافر الإيرانية, أو بمفاتحة القوى الإيرانية والرأي العام الإيراني وفضح الممارسات السياسية الإيرانية ونشرها على الملأ كي تضاعف من عمليات الضغط الداخلي التي بدأت تأخذ مناحي مؤثرة وفاعلة؟
السعودية تملك الإمكانات والأدوات الفاعلة والمؤثرة لكنها وكما قال الأمير خالد بن سلطان «إن بلادنا الغالية ومنذ تأسيسها تقوم على مبادئ واضحة المعالم ألا وهي تحكيم الشريعة وإقامة العدل, وتنأى بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول كافة, كما أنها وفي الوقت نفسه لا تسمح لكائن من كان بالتدخل في شؤونها وترفض دوماً الانجرار إلى أية صراعات لا طائل منها, وتنأى بنفسها عن ذلك»
المصدر : صحيفة الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2009/12/14/article_316195.html
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
http://balochistancenter.blogspot.com/
تودعكم وكالة أنباء بلوشستان المحتلة و مركز بلوشستان للدراسات البلوشية و
أكاديمية حماية اللغة البلوشية و تعلن عن إغلاقها
-
*بعد ما يقارب العام على إنشاء وكالة أنباء بلوشستان المحتلة بتاريخ 8/4/2009م
، تم خلالها نشر 570 خبراً ، و على إنشاء مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
بتاري...
قبل 14 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق