الحركة الخضراء: هل يمكن ان تنجح في طهران فقط؟
تشهد ايران منذ اكثر من اربعة اشهر أزمة سياسية حادة لم تشهد لها مثيلاً منذ قيام الثورة الاسلامية في عام 1979. اذ قامت المعارضة الايرانية بكل اتجاهاتها عقب الانتخابات الرئاسية في 12 حزيران (يونيو) الماضي، بتظاهرات احتجاجية ضد نتائج الانتخابات، متهمة السلطات الرسمية بالتزوير والتلاعب بالاصوات.
وقدر المراقبون عدد المشاركين في تظاهرات طهران في أحد ايام الاسبوع الاول الذي اعقب الانتخابات بثلاثة ملايين شخص. وفي هذه الفترة اعتقل الالوف من المتظاهرين وقتل بعضهم إثر التعذيب وتعرض العديد منهم للاغتصاب في السجون.
في الايام الاولى، شاركت المحافظات والمدن، الى جانب العاصمة طهران، في التظاهرات والحركات الاحتجاجية، غير ان الاحتجاجات اقتصرت على طهران بعد اعمال القمع الشديدة وانحسر عدد المتظاهرين في العاصمة ايضا، لكن التظاهرات استمرت فيها رغم التهديدات والاعتقالات واعمال البطش والقمع.
وقد عاد بعض المدن الى ساحة النضال مرة اخرى في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر)، يوم ذكرى اقتحام السفارة الاميركية في طهران حيث شوهدت تظاهرات في العديد من المحافظات والمدن الايرانية الكبرى.
وتؤكد استمرارية الحركة الخضراء في ايران بعد اربعة اشهر على بدايتها، عدم امكان اجتثاثها وقمعها بالكامل. اذ لايمكن العودة الى الوراء واستقرار صمت مطبق على المجتمع الايراني المفعم بالحيوية والذي هو في اساسه مجتمع مدني قوي ذوتقاليد نضالية عريقة. كما انمن غير الممكن، بفضل التكنولوجيا الحديثة كالانترنت والفضائيات، العودة بالاوضاع الى ما قبل قيام الثورة. وكذلك لايستطيع التيار اليميني الديني المتشدد المهيمن على مقاليد الحكم في ايران ان يعود بالبلاد الى اجواء الثمانيات من القرن المنصرم وهي التي شهدت اسوأ فترة لقمع الحريات في ايران.
هناك ثلاث دوائر جغرافية في ايران تلعب حاليا دورا في مسار النضال من اجل الديمقراطية وحقوق الانسان في البلاد: العاصمة الايرانية طهران، المحافظات والمدن الفارسية، والاقاليم التي تقطنها قوميات غيرفارسية.
وكما اشرنا آنفاَ، كانت طهران هي وحدها تحمل وزر الانتفاضة الخضراء في ايران حتى الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر). وهذا يعود الى وضعها السياسي كحاضرة وكثرة عدد سكانها.
لاريب في ان الطبقات الوسطى تشكل العمود الفقري للحركة الخضراء في ايران وهذا ما نراه من حضور قوي للنساء والشباب والطلبة. كما ان الطبقة العاملة والطبقات الكادحة الاخرى لم تدخل حتى الان بشكل واسع، معمعة النضال في اطار هذه الحركة الاحتجاجية.
والسؤال المطروح هنا: لماذا لم يشارك المجتمع الايراني بكل طبقاته وقومياته في الانتفاضة الخضراء كما شارك في ثورة فبراير 1979، رغم اننا نعلم ان معظم السكان صوتوا في الانتخابات الرئاسية لميرحسين موسوي ومهدي كروبي؟
تحرك الناس في الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) في شيراز واصفهان ومشهد وقم وبعض المدن الاخرى في وسط ايران. لكن الاقاليم الخاصة بالقوميات لم نشهد الا تظاهرات نحو 10 الاف شخص في مدينة تبريز التي تقطنها اغلبية تركية آذرية؛ ولم نشاهد مثل ذلك في الاقاليم الكردية والعربية والبلوشية والتركمانية، اللهم الا استثنينا تظاهرات لطلبة جامعة الاهواز حيث تمت في إطار حريم الجامعة ولم تخرج الى الشوارع.
علاوة على القمع الشديد في المدن والمحافظات – قياسا بالعاصمة طهران – هناك اسباب اخرى تفسر هذا الامر.
ويبدو ان الطبقات الكادحة لم تر شيئا مما تطالب به في شعارات زعماء الحركة وهم الاصلاحيون ميرحسين موسوي ومهدي كروبي ومحمد خاتمى، الا ما يتعلق بتأكيد موسوي وكروبي ضرورة تشكيل نقابات عمالية مستقلة وهو ما تطالب به فئات من العمال الايرانيين.
واما الوضع بين الشعوب غير الفارسية فيختلف حسب الاقاليم. اذ يمكننا القول ان اقليم سيستان وبلوشستان الذي يشهد ومنذ 4 سنوات اعمال عنف بين منظمة جند الله البلوشية السنية والحكومة الايرانية، ينأ بمعظمه من الحركة الخضراء لكن هذا لايعني انها لم تتمتع بتأييد فئات من الشعب البلوشي هناك. ونحن نعلم ان احدث عمليات للمتمردين البلوش ادت اخيراً الى اغتيال نحو 60 شخصا 15 منهم من قادة الحرس الثوري.
لكن الوضع يختلف بين القوميات الاذرية والكردية والعربية الاهوازية، اذ تنقسم هذه الشعوب بين فئات مؤيدة للحركة الخضراء وفئات لم تبد اي تعاطف معها. وتنتقد الفئة الثانية، "العاصمة" عامة والاصلاحيين خاصة بسبب صمتهم ازاء ما تعرض له ابناء القوميات غير الفارسية من قمع اثناء انتفاضاتهم السابقة. فقد شهدت مدينة الاهواز وسائر مدن الاقليم في نيسان (ابريل) 2005 انتفاضة عارمة ضد ما وصف انذاك بخطة الحكومة لتغيير ديموغرافية الاقليم لصالح غير العرب. كما شهدت المناطق الكردية في تموز (يوليو) من ذلك العام موجة من التظاهرات والاحتجاجات لأسباب تتعلق بالتمييز والاضطهاد القومي. وفي ايار (مايو) 2006 شهد اقليم اذربيجان الايراني تظاهرات واسعة لنفس الاسباب.
ويقول نشطاء هذه القوميات الذين يتحفظون على الالتحاق بالحركة الخضراء ان الاصلاحيين والمعارضة الايرانية لم تبد انذاك اي تعاطف مع تلك التظاهرات والانتفاضات التي قام بها العرب والكرد والآذريون، بل ساعدت بصمتها على قمعها بشكل او اخر، فكيف يطلبون منا الان أن ندعم حركتهم في طهران؟ وبالطبع تحبذ الحكومة المتشددة في طهران هذه الامور لأن التحاق القوميات غير الفارسية بالحركة الخضراء سيمنحها اندفاعا كبيرا بحيث لن يكون بامكان اي قوة ان تقمعها.
وتتوقع هذه الفئات من زعماء الحركة الخضراء مثل ميرحسين موسوي ومهدي كروبي ان يشددوا على حقوق القوميات غيرالفارسية وينددوا بقمعها كي تلبي معظم فئات هذه القوميات النداءات وتلتحق بالحركة.
لكن هناك ريبة سائدة على اي حال بين المركز (طهران) والهامش (الشعوب غيرالفارسية ) ويجب على الجانبين التغلب عليها كي تصبح الحركة الخضراء حركةً ايرانيةً شاملة.
ان من المستبعد ان تتمكن الحركة الخضراء من الانتصار على خصمها المتشدد والشمولي من دون مشاركة واسعة من القوميات غيرالفارسية. لكن لو فرضنا انها تمكنت – بمساعدة بعض المحافظات - من ذلك، فهذا يعني خطوة الى الأمام في النضال من اجل الديمقراطية، لكن لا يعني استقرار الديمقراطية الحقيقة التي تشمل حقوق القوميات غير الفارسية. اذ اثبتت الثورات ونضالات الشعوب الايرانية في تاريخ ايران المعاصر خلال العقود الثمانية الماضية انه لا يمكن ان تستقر الديمقراطية الحقيقة في ايران من دون منح الشعوب غيرالفارسية حقوقها المتكافئة مع القومية المهيمنة على السلطة في ايران.
لذا نستطيع ان نقول ان حركة المعارضة في طهران ستنتصر وفي اقصر فترة زمنية اذا ابتعدت عن الشعارات القومية الفارسية المتطرفة واذا تمكنت من استقطاب الجماهير في الاقاليم والمحافظات والمدن الايرانية الاخرى وخاصة الشعوب غيرالفارسية. لكن هذه الفترة الزمنية يمكن ان تطول اذا لم يتم ذلك، بل وحتى يمكن ان تفشل في تحقيق اهدافها وتشهد العملية الديمقراطية في ايران انتكاسة اخرى تضاف الى انتكاساتها المتكررة خلال العقود الثمانية المنصرمة. غيران تمادي المتشددين في قمع المظاهرات السلمية للمعارضة الايرانية واستمرارهم في استخدام العنف المفرط ضدها يمكن ان يجلب الويلات لإيران. وستؤدي الفجوة المتزايدة بين المعارضة والموالاة – وهؤلاء يشكلون نسبة قليلة من المجتمع الايراني ويعتمدون اساسا على قوة الحكومة وسلطتها – الى تفعيل الفجوات الاخرى الكامنة في هذا المجتمع منها: القومية، والاجتماعية، والطبقية، والجيلية..الخ.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
http://balochistancenter.blogspot.com/
تودعكم وكالة أنباء بلوشستان المحتلة و مركز بلوشستان للدراسات البلوشية و
أكاديمية حماية اللغة البلوشية و تعلن عن إغلاقها
-
*بعد ما يقارب العام على إنشاء وكالة أنباء بلوشستان المحتلة بتاريخ 8/4/2009م
، تم خلالها نشر 570 خبراً ، و على إنشاء مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
بتاري...
قبل 14 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق