الفجوة الإيرانية الكبرى
عملية سرباز
العملية الاستشهادية (المزدوجة على الأرجح) التي نفّذتها جماعة «جند الله» في إقليم سيستان ـ بلوشستان الواقع جنوب شرق إيران، والتي يتزعّمها عبد المالك ريغي، لها مدلولان على الأقل: الأول أن هناك ثغرة أمنيّة هي في حجم فجوة كبيرة في النظام الأمني الإيراني (لجهة الحرس الثوري تحديداً)، والثاني أن التراكمات التي تجمّعت في السنوات الثماني الأخيرة بين السنّة والشيعة في إيران تنطوي على عوامل لا استقرار كبيرة لا بدّ من احتوائها في هذه المرحلة، كي تنصرف إيران الى معالجة مشاكلها الداخلية والخارجية.
> بالتزامن مع الانفجار الأول الذي استهدف ملتقى لتقريب وجهات النظر بين عشائر من السنّة وأخرى من الشيعة، حضره قادة في الحرس الثوري وعدد من شيوخ القبائل في مدينة سرباز (إقليم سيستان وبلوشستان) وقع انفجار ثان استهدف موكباً لعدد من قادة الحرس الثوري في المنطقة نفسها بين بلدتي سرباز وشاباهار، كانوا بدورهم في طريقهم الى الاجتماع بهدف التحضير لمؤتمر المصالحة بين العشائر السنّيّة والشيعية. السلطات الإيرانية لم تعلن عن الانفجار الثاني، واكتفت بالكشف عن مصرع نائب القائد العام للقوّات البرّيّة في الحرس الثوري الجنرال نور علي ششتاري، والجنرال محمد زاده قائد حرس الثورة في سيستان وبلوشستان، وقائد الحرس في مدينة إيران شهر، وقائد لواء أمير المؤمنين.
وبصرف النظر عن هذا التفصيل، فإن العملية الانتحارية، وهي الأكبر من نوعها حتى الآن، سلّطت الضوء على حركة مسلّحة تتمركز في المثلّث الحدودي بين إيران وأفغانستان وباكستان تأسّست في العام ٢٠٠٢ على يد الشيخ عبد المالك ريغي، وهو أحد طلبة العلوم الدينية، وأعلنت أن مهمّتها الدفاع عن حقوق السنّة عموماً والشعب البلوشي خصوصاً، والمطالبة باستقلال أكبر للأقاليم السنّيّة في إيران، وبإعادة تقسيم الثروة تقسيماً عادلاً، وبحرّيّة بناء المساجد والمدارس. وتتّهم الحركة النظام الإيراني باضطهاد السنّة، وقتل علمائهم، وهدم المساجد وإغلاق المؤسّسات التربوية، وتقول إنها حملت السلاح دفاعاً عن حقوقها المذهبية والاجتماعية والسياسية. باختصار، ترى حركة «جند الله» في إيران «دولة عنصرية» تأسّست على فكر رجل واحد اسمه آية الله الخميني، ووضعت حجر تفكيرها على فلسفة ولاية الفقيه ليس إلا. ويقول ريغي: إن نضالنا لا يعتمد على العمل العسكري فحسب، فلنا مطالبنا وحقوقنا. وهو يشير الى أن نهجه يعارض الطروحات الراديكالية، سنّيّة كانت أم شيعية... إلا أنه يؤكّد في الوقت نفسه أنه لا يريد حكومة تعادي الدين. وتنشط الحركة المسلّحة في مثلّث حدودي ساخن، وتتّخذ من جبال «بلوشستان» مأوى لها، ولعلّ وعورة الجبال التي تتحصّن بها هو سرّ قوّتها وقدرتها على الاستمرار في مناهضة الدولة القويّة، حيث تضم الحركة أكثر من ألف مقاتل، ومنذ تأسيسها لم تتوقّف الجماعة عن تنفيذ الهجمات، وشنّ عمليات الاختطاف التي تستهدف جنوداً حكوميين، وعناصر في الحرس الثوري وقوّات الباسيج، مستفيدة من أسر الجنود لتفاوض الحكومة على إطلاقهم، فتحصل على فدية مادية، وأحياناً على بنادق وأدوات حربية. وتنظر طهران إلى «جند الله» باعتبارها «فئة باغية» أو جماعة متمرّدة، وتصنّف أميرها عبد المالك ريغي، وهو في العقد الرابع من عمره، بالمطلوب الأول المحكوم عليه بالاعدام «لتورّطه في عمليات خطف وقتل جنود، وتشكيل جماعة مسلّحة تناهض الجمهورية الإسلامية»، متّخذة من الأراضي الباكستانية خلفية لها، وهو ما تنفيه «جند الله» مستندة إلى قدرة الجبال الممتدة داخل الحدود الإيرانية على توفير الحماية الكاملة لعناصرها، حيث يقول ريغي في تصريحات صحفية: «لسنا في حاجة إلى المجيء إلى باكستان، معظم مراكزنا العسكرية ورجالنا هم داخل إيران، وجبال بلوشستان حرّة طليقة حتى الآن»، فلا يستطيع الجيش الإيراني أن يقوم بمناوشات عسكرية هناك. وقد أصبحت الحركة الإسلامية بفضل التأييد الذي تحظى به بين الشعب البلوشي، من أقوى وأبرز الحركات العاملة في الإقليم، حتى أنها تصنّف كأكبر حركة سياسية وعسكرية تعارض النظام من الداخل، وقد تمكّنت من توجيه ضربات موجعة لقوّات الحكومة الإيرانية، سواء من خلال العمليات العسكرية أو من خلال نشاطها الاعلامي.
وبين أبرز العمليات التي نفّذتها «جند الله»، قيامها في كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥ باختطاف تسعة جنود قرب مدينة زاهدان، فأفرجت عن ثمانية منهم بينما قتلت التاسع، وهو ضابط مخابرات يدعى شهاب منصوري، ونشرت شريطاً مصورّاً لتنفيذ حكم الاعدام ضده. وفي آذار (مارس) ٢٠٠٦ قتلت الجماعة ٢٦، وأصابت ١٢ من «الحرس الثوري» كانوا يعبرون في سيارات على مقربة من الحدود مع باكستان، كما تبنّت «جند الله» عملية تفجير حافلة أدّت إلى مقتل ١١ من عناصر الحرس الثوري الإيراني وإصابة ٣١ آخرين. وكان من أبرز ما تبنّته في الآونة الأخيرة، عملية الكمين الذي نصبته لقافلة حكومية في منتصف شهر آذار (مارس) الماضي، على طريق تاسوكي الواصل بين مدينة زاهدان مركز الإقليم ومدينة زابل ثاني أكبر مدن بلوشستان، وقد أسفر عن مقتل حاكم مدينة زاهدان واثنين وعشرين شخصاً، واحتجاز سبعة مسؤولين آخرين، وتؤكّد الجماعة قدرتها على تنفيذ عمليات نوعية داخل العمق الإيراني وصولاً إلى العاصمة طهران، حيث يقول عبد المالك ريغي: إن «معظم برنامجنا هو تدريب الشباب وإرسالهم إلى الداخل». وإذا كانت «جند الله» تمثّل إحدى حركات المقاومة البلوشية، وإلى هذا الشعب وإقليمه ينتمي قادتها ومعظم عناصرها، فمن الجدير بالذكر الاشارة إلى خلفيّة البلوش كعرقيّة لها خصائصها التي تميّزها عن غيرها من باقي العرقيّات، فقد ظل إقليم بلوشستان محتفظاً بوحدة رقعته الجغرافية خلال القرون الماضية، حتى تمّ تقسيمه بين إيران وباكستان وأفغانستان بعد الغزو البريطاني.. مما أدّى إلى نشوء بلوشستان إيرانية، وبلوشستان باكستانية، وبلوشستان أفغانيّة، إلا أن السكان البلوش ظلّوا في المناطق الثلاث متمسّكين بوحدة انتمائهم العرقي، إضافة إلى اللغة البلوشيّة، والانتماء إلى الإسلام السنّي.. ومن ثم نشطت الحركات البلوشية مطالبة بفصل بلوشستان عن البلاد التي توزّعت بينها (إيران وأفغانستان وباكستان) لإقامة دولتهم الموحّدة.
ويقول صباح الموسوي الكاتب الأحوازي الخبير في الشؤون الإيرانية، إن النظام الإيراني يعمل على فرض المذهب الشيعي على السكان البلوش بالقوّة، فمدينة زاهدان، مثلاً، لم يكن فيها شيعي واحد قبل الثورة الخمينية، باستثناء الجنود وموظّفي الادارات، والآن بعد ثلاثين سنة على الثورة تغيّر الطابع السكاني فيها حتى أصبحت ذات أكثرية شيعية. ومعروف، وفاق الاحصاءات شبه الرسمية، أن عدد السنّة الإيرانيين يراوح بين ١٤ و١٩ مليوناً يشكّلون نسبة تراوح بين ١٥ و٢٠ في المئة من الشعب الإيراني، وهم مقسّمون الى أربع عرقيّات هي: الأكراد والبلوش والتركمان والعرب، ويسكنون قرب خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبيّة السنّيّة. ويمثّل السنّة الإيرانيون في البرلمان ١٢ نائباً، الأمر الذي يعتبرونه غير متلائم مع كثافتهم السكانية.
«أبو سليم» الناطق باسم «جند الله» البلوشيّة (يعيد الى الذاكرة «أبو سليم» الناطق باسم حركة «فتح الإسلام» في نهر البارد)، يقول إن الشعب البلوشي من أعرق الشعوب الإسلامية في المنطقة، وقد وزّع على إيرن وأفغانستان وباكستان وضاع حقّه في إقامة دولة مستقلّة يمارس فيها سيادته على نفسه شأن الشعوب الأخرى، وهو يناضل للحصول على حقوقه المشروعة.
وفي حديث أدلى به أخيراً الى وكالة أنباء بلوشيّة (على الإنترنت) قال أبو سليم، إن «جند الله» ليست حركة تنتسب الى «القاعدة» ولا الى «طالبان»، وهي ليست بالتأكيد جماعة مهرّبين على الحدود الإيرانية، وإنما هي حركة تقاتل من أجل حقوق البلوش في إيران. وآخر عملياتها كانت محاولة اغتيال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قبل أسابيع، واختطاف تسعة من الجنود الإيرانيين على الحدود مع باكستان، من أجل مبادلتهم بعدد من الأسرى في السجون الإيرانية.
مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
http://balochistancenter.blogspot.com/
تودعكم وكالة أنباء بلوشستان المحتلة و مركز بلوشستان للدراسات البلوشية و
أكاديمية حماية اللغة البلوشية و تعلن عن إغلاقها
-
*بعد ما يقارب العام على إنشاء وكالة أنباء بلوشستان المحتلة بتاريخ 8/4/2009م
، تم خلالها نشر 570 خبراً ، و على إنشاء مركز بلوشستان للدراسات البلوشية
بتاري...
قبل 14 عامًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق